هذه الحياة الصّعبة المتعِبة!

 

لا يكاد يخلو أحدٌ في الحياة من هَمّ وكدر، فلا توجد فيها أفراح بلا أتراح ولا مسرّات بلا أحزان، لا توجد لَذاذات بلا آلام ولا عافية بلا أسقام، كل راحة فيها بعدَها تعبٌ وكل سعادة بعدها شقاء، وكل حياة بعدها موت وكل لقاء بعده فراق.

 

لكل شيء إذا ما تَمَّ نقصانُ   ***   فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأمورُ كما شاهدتَها دولٌ   ***   مَن سَرّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد   ***   ولا يدوم على حال لها شانُ

فجائعُ الدهر أنواعٌ منوّعةٌ   ***   وللزمان مَسَرّاتٌ وأحزانُ

 

*   *   *

 

ما فينا أحدٌ إلا سافر براً ذات يوم فقطع المسافات الطوال. هل تذكرون طريقاً قطعتموه في أي يوم فكان نزولاً بلا صعود أو صعوداً بلا نزول؟ إن هذا لا يكون، فكل طريق على الأرض يمشي نزولاً مرة وصعوداً مرة، وكذلك الدنيا التي يعيش فيها الناس.

 

إن أرزاق العباد بيد الله، الله يقبضها ويبسطها، وأنت لم تسأل الله يوم بسط الرزق لك: يا ربّ لِمَ بسطت؟ فلا تسأله حين قَدَر الرزق عليك: يا ربّ لِمَ قَدَرْت؟ بل اشكر واصبر، اشكرْ وأعطِ إذا أقبلت عليك الدنيا، واصبِرْ وارضَ إذا أدبرت، فإنّ خير عباد الله الصَّبور الشَّكور.

 

وكذلك العافية والمرض: إنك لم تسأل الربّ حين عافاك لِمَ عافاك، فلا تسأله حين أمرضك لِمَ أمرضك، فإنك لن تعرف السر ولن تدرك السبب، ولكن اصبر واشكر في الحالتين. وكذلك إذا أعطاك الله الولد وإذا أخذ منك الولد، وإذا رزقكِ الله الزوج وإذا قبضه، وإذا أصبحتم يوماً في المسرّات وأمسيتم يوماً في الأحزان.

 

*   *   *

 

هذه الحياة دار كدر وشقاء: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}، والكبَد هو جماع ما في الحياة من عناء وبلاء. وما استقبل عبدٌ بلاءَ الدنيا بأفضل من الصبر والرضا، فإنْ رضي عن الله وقضاء الله رضيَ عنه الله وأرضاه: "مَن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"، ومَن صبر فله البُشرى من الله وله منه الأجر بغير حساب: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّرِ الصابرين}، {إنّما يُوفَّى الصابرون أجرَهم بغير حساب}.

 

اللهم لا تحمّلْنا ما لا طاقة لنا بحمله. اللهمّ إنّا نعوذ بك من البلاء ونسألك العافية، وإذا ابتليتنا فنسألك أن تجعلنا من الراضين الصابرين الشاكرين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين