الإسلام في أفريقيا -28-

 

أبو عقال يخلف أخاه زيادة الله

 

وهكذا نجد أن الأمير زيادة الله - بما وهبه الله من حكمة وسعة أفق ومهارة سياسية - قد استطاع ترويض مملكته على الطاعة واستئصال شأفة العصاة والمتمردين، وتحويل نشاط دولته إلى فتح بلاد كثيرة في جنوب إيطاليا وإزالة حكم البيزنطيين عنها وبسط حمايته عليها، وعلت سمعة إفريقية بين الممالك القريبة والبعيدة منها، فباتت مرهوبة الجانب في نظر دول أوروبا يطلب ودها. 

وكان كفُّ القدر بانتظار هذا الملك الهمام الذي لم تنجب مثله إفريقية، فقد نعاه النعاة ليلة الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة (223هـ/838م) عن إحدى وخمسين سنة بعد أن مكث في الملك إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر وثمانية أيام.

رحم الله هذا الأمير الذي لم تغره الدنيا وقد أتته صاغرة، وكان يقول في حياته حين يذكر عمله من غير منة على أحد: لا أبالي ما قدمت عليه يوم القيامة وفي صحيفتي أربع حسنات:

1- بنيان المسجد الجامع بالقيروان

2- وقنطرة أبي الربيع

3- ودار الصناعة بمدينة سوسة وسور القيروان 4- وتولية أحمد بن أبي محرز قضاء إفريقية.

لقد شق زيادة الله طرق المواصلات، ونشر الصناعات، وعزّز قوة الدفاع، وبنى الأوابد، وأقام قسطاس العدل بين الناس، وأزال الضغائن من قلوب البربر على العرب، وأقام بحق دولة عصرية ذات مدنية زاهية وحضارة عريقة حتى غدت القيروان بزمانه تنافس بغداد ودمشق وغرناطة.

وخلف زيادة الله أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب في ولاية حكم الدولة، وكان شبيها بأخيه زيادة الله في الهمة والنشاط وحسن التدبير وبعد النظر والعدل بين الناس والتقرب من الفقهاء والعلماء وصيانة الملك. 

فقد افتتح عهده بمنح الأعطيات للعمال والأجناد والجباة للحيلولة دون مد أيديهم إلى الرشاء وإضاعة حقوق الشعب وإفساد البلاد. ثم التفت بعد ذلك لإصلاح حال المجتمع ووقايته من الشرور والآفات، فمنع تعاطي الخمر، وعاقب على بيعها وشربها وهي أم الخبائث ومبعث كل فتنة وشر، وقطع دابر الدعارة والفجور، وشجع الناس على الزواج، وأعان الفقهاء والعلماء على إزالة المنكر بين الناس. مما جعل الأمة تنصرف للأعمال النافعة، كالبناء والتعمير وتعاطي الصناعات والحرف والتجارة، والإقبال على العلم ونهل المعارف عبر ما أسس من المدارس ودور للثقافة والمعرفة. فاستقامت الأحوال، واطمأن الناس، وعاش الجميع في بحبوحة من العيش، ناعمين بالأمن والسلام.

وبعد أن اطمأن أبو عقال لاستتباب أحوال البلاد وانشغال الناس بأحوالهم وشؤونهم، توجه ببصره نحو أوربا ليجدد ما بدأه أخوه زيادة الله، فسيّر جيوشه سنة (224هـ/838م) لاستكمال فتح ما تبقى من مناطق جزيرة صقلية التي بقيت على ولائها لبيزنطة، وغزو جنوب إيطاليا، فتمكنت جيوشه من الاستيلاء على حصون كثيرة منها (حصن البلوط) و(بلاطنو) و(فرلون). ثم فتح مدينة (قلورية) بعد أن هزم الأسطول البزنطي القادم لنجدتها، وظفر بقلعة (الغيران) المنيعة، وذلك كله خلال سنتين من بدء الغزو.

ووافت المنية هذا الأمير الشجاع ليلة الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر سنة (226هـ/841م) وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن مكث في الحكم سنتين وسبعة أشهر وسبعة أيام رحمه الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين