الطرق الفعالة في التسويق الدعوي

 

أضحى التسويق فنا من الفنون الشائعة، ومهنة من المهن ذات الصيت المطلوبة، فلا غنى لأي مؤسسة عن قسم الدعاية والتسويق، والدعامة الأساسية للتسويق عموما، سواء أكان منتجا أو فكرة هو الانتشار، وهذا ما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية"، وهذا الأمر النبوي يجعل للدعوة قاعدة عريضة، فلا تقتصر على العلماء والدعاة فحسب، بل تكون في حق كل من علم أمرا من الدين، وفهمه على الوجه الصحيح؛ كان من ولائه للدين والدعوة أن ينشره، مع الوضع في الاعتبار خصوصية المتخصصين في الدعوة،  وبهذا تحصل أكبر قاعدة تسويق دعوي، من خلال حمل هم الدعوة، ووجوب تبليغها للغير، من باب نشر الخير، و هذا المعنى جاء فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، والمسلم أخو المسلم، لا يخذله، ولا يكذبه، ولا يظلمه، وإن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى فليمطه عنه"، وذلك يكون التسويق الدعوة أشبه بالحركة الديناميكية التي يتحرك بها جميع أفراد الأمة على كافة المستويات، وذلك من أجل الحفاظ على المجتمع مستقيما على صراط الله.  

صفات المسوق الدعوي:

إن أول مهام الداعية أن يدرك أن التسويق يتوجه إلى الجمهور المستهدف، فتسويق الدعوة ليس ضربا من الخيال، أو يقصد به مجرد نشر الوعظ والإرشاد، بل إنه يستهدف المدعوين؛ لإيصال رسالة معينة إليهم، وهذا يعني أنه يتوجب على الداعية ( المسوق الدعوي) أن يدرك طبيعة الجمهور المستهدف، وأن يتخير لكل منهم الرسالة المناسبة له.

ولهذا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب على أسئلة الناس الواحدة بأجوبة متنوعة، وذلك حسب معرفته باحتياج السائل ( العميل الدعوي).

ومن أهم استراتيجيات الداعية في تسويق دعوته وأفكاره أن يفكر بعقل الدعوة، فيتذكر دائما أنه صاحب رسالة، وأن يفكر بعقل صاحب الرسالة، حتى يصل إلى ما يمكن أن نسميه ( العقل الدعوي)، وهذا لا يتأتي إلا بالانشغال والتدرب، وقد جاء في الأثر عن أبي الدرداء يرفعه:  " إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه".

الجاذبية الدعوية:

ومن أهم مبادئ التسويق الدعوي الجذب والإغراء، فمن المهم أن يدرك الداعية الوسائل التي تجذب المدعو إليه، وأن يتفنن في عرضها، فكثيرا من الناس ينجذبون إلى كلام داعية يشرح حديثا شُرح قبله عشرات المرات، ولكن طريقة عرضه مختلفة، ولهذا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم الوسائل التعليمية مع أصحابه، فربما خط لهم خطوطا على الأرض، وربما ضرب لهم الأمثال، وربما قص عليهم الحكايات وغيرها من وسائل التعليم والإقناع.

ومن علامات تميز الداعية أن يتخصص في مجال لا يعرف عنه فيه غيره، أو لم يتخصص فيه غير عدد قليل من الدعاة، وهو ما يعبر عنه في علم التسويق ( الفجوة التسويقية)، بحيث تكون للداعية مساحته الخاصة، وطابعه الخاص، وطريقته الخاصة في الدعوة، ومجاله الذي يتميز به عن غيره؛ لأن التخصص في أحد المجالات يعطي للداعية إحاطة به، وإدراكا له، فيكون خبيرا فيه، وقد قيل:" اعرف شيئا عن كل شيء، واعرف كل شيء عن شيء".

الجمهور المثالي:

ثم من منهج الداعية في تسويق الدعوة أن يعرف طبيعة الجمهور الذي يستطيع أن يتعامل معه ويدعوه، فربما يتخصص في الجمهور العام، وربما يرى نفسه قادرا على مخاطبة طلاب العلم، وربما يجد نفسه قادرا على مخاطبة المثقفين، وربما يجد نفسه أجدر مع جمهور الإذاعة، أو جمهور التلفاز، أو جمهور الإنترنت وهكذا، وهو ما يعبر عنه علم التسويق بـ (تحديد الجمهور المثالي)، وهذا يعني أن الداعية يمكن أن يقوم بتسويق الدعوة لكل أحد، لكن بالتجربة يدرك من هو الجمهور الأمثل الذي يكون معه متفوقا في دعوته.

ومن الحكمة أن يدرك الداعية نقاط قوته ونقاط ضعفه، فيعمل على تقوية نقاط قوته وتطويرها وكيفية الاستفادة منها في التسويق الدعوي، وأن يعرف نقاط ضعفه حتى يتلاشها، أو يحسن أداءها بالتعلم والتدرب، وقد خاطب الله تعالى نبيه يحيى بقوله: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، وتكرر المعنى في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وقد جاءت القوة بصيغة التنكير لتشمل كل أنواع القوة، من القوة الإيمانية، والقوة الفكرية، وقوة التخطيط، وقوة التنفيذ، وقوة المتابعة، وقوة التقويم والتقييم، ونحو ذلك.

حلل ظروف المدعوين واتجاهاتهم:

من قواعد التسويق أن يقوم المسوق بتحليل السوق واتجاهاته، وهو في الدعوة أن يعرف الداعية ما يشغل بال المدعوين، وما ينتشر بينهم من قضايا واهتمامات، فيحللها؛ حتى يقوم اتجاهاتهم، ويصوب آراءهم، ويردهم إلى الهدي المستقيم، فالمدخل الأكثر فاعلية هو أن يتعرف الداعية على اهتمامات جمهوره؛ لأنها ستكون بمثابة القنطرة الموصلة بينه وبينهم، ولا يعني هذا أن يقدم الداعية ما يطلبه المستمعون، فالداعية – في المقام الأول- صاحب رسالة، وهو يوجه المجتمع، لكن عليه أن ينطلق من الواقع حتى يصححه، وأن يتخير للمدعوين الأنسب لهم، لأن الكلام غير مقصود لذاته، وإنما مقصود به الإصلاح قدر المستطاع، ثم التوفيق إنما هو من الله، كما قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] 

سوق ببندقية لا بمدفع:

لا يمكن للإنسان أن يسمعه كل الناس، ولا أن يقبلوا نصحه وإرشاده، فدائما ما سيجد الإنسان من لا يحب سماعه، ولا يعجب بأفكاره، بل ربما ينتقده، وينقل ذلك لمن حوله، فعلى الداعية أن يكون واعيا بالجمهور الذي يكلمه، ومن هنا كان الواجب على الداعية أن يصوب بندقيته لا مدفعه، وهذا يستلزم عدة أمور، من أهمها:

أولا- أن يعرف نوعية المدعوين الذين يمارس معهم الدعوة إلى الله تعالى، بحيث يكون قريبا منهم، يتحدث بلسانهم، ويتهم بقضاياهم، لا أن يغرد خارج سربهم، وكأنه غريب عنهم، وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].

ثانيا- أن يتعرف الداعية على الدعاة الذين يسمع لهم جمهوره، بحيث يدرس أساليبهم وطرقهم في الدعوة، ولماذا ينجذبون إلى دعاتهم المفضلين، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها.

التواصل المباشر:

ومن أهم وسائل التسويق الدعوي التواصل المباشر، وهى عملية يتم فيها تبادل الآراء والأفكار بين الاشخاص عن طريق المواجهة الشخصية، وهو أنجع وسائل التسويق الدعوي، ذلك أن التواصل المباشر يستعمل فيه الداعية كافة حواسه  كلها، فيكون تأثيره عليهم أكبر، نعم لا شك أن التواصل غير المباشر يعد من وسائل الإيصال، لكن يبقى التواصل المباشر من أنجحه، ولهذا، كانت خطبة الجمعة من أكثر الوسائل نجاحا في الإعلام والتسويق الدعوي لو أحسن استعمالها وتوظيفها في خدمة الدعوة، ولكن مما يندى له الجبين أن تكون أكثر الوسائل فاعلية في الدعوة هي أقلها تأثيرا، لعدم عناية الخطباء بها، إلا من رحم الله، فكثيرا ما يكتفي الداعية بخطب سابقة، أو يكتفي بذكر بعض الآيات والأحاديث دون إخراج الدرر الكامنة فيها، أو تكون الخطبة غالبها كلام إنشائي، ناهيك عن التكرار الممل، والاستطراد المخل بمقصود الخطبة، فيخرج الناس وهم لا يدركون عن أي موضوع كان يتحدث الخطيب، بل ربما كانت الخطبة فرصة للاستراحة النعاس!!!

الابتكار في الوسائل:

كثير من الناس ينجذب إلى الوسائل المبتكرة في سوق المنتجات، وهو الشأن أيضا في الدعوة، وذلك أن الابتكار يخاطب فطرة الإنسان، وللأسف، مازالت الوسائل التقليدية هي الغالبة في حال الدعوة إلى الله تعالى، ومساحة الابتكار ضئيلة أو منعدمة، رغم الانفتاح الإعلامي، وتيسير وسائل العرض، إلا أن دخولها في عالم الدعوة هو دخول على استحياء لا يكاد يرى بعين المجردة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين