ماذا عندك؟

 

قال أحد نجوم السينما الهندية لولد صغير: عندي سيارة فخمة، وقصر شامخ، وملايين روبية، فماذا عندك؟ قال الولد: عندي أمي.

إذا تفاخر الناس بالمناصب والوظائف، والقوى والطاقات، والثروات والأموال، والإنجازات والإبداعات، وتباهوا بها وقالوا: عندنا الملك والسلطان، أو الرئاسة والوزارة، أو العساكر والجيوش، أو الأسلحة النووية والقنابل الذرية، أو القصور الشاهقة وناطحات السحاب، أو المباني الشامخة والأبراج العالية، أو المراكب الفخمة الرائعة، أو الثروات الهائلة، قال العبد المسلم: إنَّ معيَ ربِّي.

قال الخاقاني، أحد كبار شعراء الفارسية من القرن السادس الهجري:

بس از سى سال اين معنى محقق شد به خاقانى

كه يكدم با خدا بودان به از ملك سليمانى

"قد تبين للخاقاني بعد ثلاثين سنة هذا المعنى: أن لحظة مع الله تعالى أفضل من ملك سليمان".

لا شك أنه لم يُؤْتَ أحد ملكًا أفضل من ملك سليمان، فقد كانت الجن والإنس والوحوش والطيور والرياح تحت حكمه وأمره، إن ملوك العالم وسلاطينه وأصحاب الإمبراطوريات العظيمة وكبار الغزاة والفاتحين لا يبلغون مبلغه في القوة والشوكة والأبهة والعظمة، واهتدى الخاقاني إلى أن ينطق بكلمة لا كلمة أصدق منها: أن لحظة مع الله تعالى أفضل من ملك سليمان.

كان محمود الغزنوي أقوى ملوك زمانه وأغنى سلاطينه، وكان قد غزا الهند سبع غزوات، وتملك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، وأموالا طائلة، وكان له عبد يسمى أياز يحبه محبة كبيرة، فغاظ ذلك الوزراء والأمراء وأصحاب بلاطه، وتحدثوا فيما بينهم: كيف يولي الملك كل هذا الحب لعبد من العبيد دونهم، وهم أصحاب الرأي والعقل والشجاعة والإقدام؟ فلما أكثروا من هذا القيل والقال اطلع محمود على طويَّتهم، فدعاهم وقال لهم: إنكم أرسيتم دعائم ملكي، وشيَّدتم أركانه، ووطدتم أسسه، ووسعتم جوانبه وأطرافه، وأمّنتم حواشيه وأكنافه، فأردتُ أن أجيزكم، وقد فتحتُ لكم اليوم كنوزي ودفائني ومدخراتي، ولكل واحد منكم ما وضع عليه يده، فأسرعوا يضعون أيديهم على الأحجار الثمينة والجواهر الغوالي، ونفائس الدرر واللآلي، وقام أياز ووضع يده على رأس محمود، فقال له: ما لك واقفًا هنا والناس كلهم متسابقون إلى إحراز الأموال متنافسون فيه؟ قال: وضعت يدي على المَلِك، فإذا صار المَلِك لي صار كل شيء لي، فعرف الناس عقل أياز وفضله.

وهكذا العبد المسلم قد ثبت في قلبه ورسخ في عقله وأيقن إيقاناً تامًّا أنه إذا كان ربه معه كان له ما في السماوات والأرض، وسما على كل شيء من الخلق، وعلا قدره، وارتفع ثمنه، يقول الأمير خسرو كبير شعراء الهند من القرن الثامن الهجري:

هر دو عالم قيمت خود كفته

نرخ بالا كن كه ارزانى هنوز

"قلتَ: إن العالَمَين (عالم الدنيا والآخرة) ثمن لك تُشترَى به، ارفع سِعرَك فإنك لا تزال رخيصا".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين