مشكاتنا واحدة

 

تعصفُ بأمتنا اليوم أحداث وتحدّيات ومواقف

سياسية ودينية، فإن لم يقرأ ولاة الأمر حقيقة ما يجري، فمآلهم إلى ذلٍ مصحوب بلعنة إلى يوم القيامة !

 

كانت الخلافة الإسلامية العثمانية القوة العظمى في العالم، وحدَّت المسلمين في أقطار الأرض عرباً وعجماً تحت رايةٍ واحدة، امتدّ نفوذها إلى قارات العالم الثلاث "أوروبا وآسيا وأفريقيا"، وأجبرتهم على دفع الجزية، حتّى الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة جورج واشنطن دفعت الجزية لتركيا.

 

لقد ألبس الله تركيا ثوب عزّ الإسلام قرابة 600 عام، حتى خلعه عنها كمال أتاتورك عام 1924م، وأعلنها جمهورية بنظام علماني جفّفَ ينابيع الدين فيها، ومنع الحجاب والصلاة والأذان، وغيّر الأحرف الأبجدية التركية القريبة من العربية إلى أحرفٍ لاتينية.

 

لقد تجرّدت العلمانية التركية من الحياء في القرن المنصرم أملاً في دخولها في الاتحاد الأوروبي، إلّا أنّ تعرّيهم كان دون جدوى، فلن ترضى أوروبا عن تركيا حتى لو تنصّرَت.

 

لقد هيّأ الله لتركيا حزباً سياسياً أعاد لها هُويتها، وجعل الإسلام فيها نظام حياة شامل، فرسّخ العدالة والحرية بين الشعب دون تمييز طرف على آخر، ودفعها إلى مقدمة الأمم بعد أن كانت في مؤخّرته.

 

لقد تقدّمت تركيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فلم يُعجب الحاقدون على الإسلام ازدهارها.

 

حاولت أمريكا الإنقلاب على الحكومة التركية الشرعية المنتخبة ديمقراطياً، وقام "فتح الله غولن" العميل بالانقلاب، لكنّ الله أنقذها من كيدهم، ودحض تآمرهم.

 

دعمت أمريكا الفصائل الكردية في شمال سوريا ضد تركيا، وشكّلت جيش "قوات سوريا الديمقراطية" لمحاربة داعش شكلاً وتركيا فعلاً، مع العلم أنّ أغلب القوى الكردية التي تدعمها أمريكا مدرجة تحت قائمة الإرهاب، ولكنّه النفاق الأمريكي !!

 

ثمّ جاءت الهجمة الشرسة السافرة من اليمين الأوروبي المتطرف، الهولندي والألماني، واستفزّوا مسلمي العالم بتصريحاتهم، وما خفت صدورهم أعظم، فعداؤهم لتركيا والإسلام هو عداء عقائدي قديم منذ نشأته، ولهذا كان تصريح عضو مجلس النواب الهولندي "خيرت فيلدرز"، شبيه بتصريحات البابا "أوربان الثاني" في القرن الحادي عشر الميلادي، عندما استنفر العالم المسيحي بحملات ضد المسلمين، وجعل الصليب شعارهم !

 

قال "خيرت فيلدرز" السياسي الهولندي اليميني المتطرف بصراحة:

 

"لدي اليوم رسالة أقولها للأتراك، بأن حكومتكم تخدعكم بجعلكم تصدقوا أنّ تركيا ستكون في الاتحاد الأوروبي، انسوا هذا ولا تصدقوه ! فأنتم لستم أوروبيين، ودولتكم الإسلامية التركية لا يمكن أن تكون جزءاً من أوروبا، إنّ القيم التي تدافع عنها أوروبا مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، غير منسجمة مع الإسلام، ولا نريدكم بأوروبا دون تأشيرة. الشعب التركي صوّت لأردوغان الخطير الذي يحمل راية الإسلام، نحن لا نريد الإسلام، لهذا ابتعدي عنا يا تركيا فأنتِ غير مرحب بك هنا"...انتهى كلامه.

 

أرجو من حكّام وملوك وأمراء العرب والمسلمين أن يقرأوا الواقع بشكل صحيح، ويشاهدوا كيف أنٌ العالم قد اجتمع رغم خلافاته الدينية والقومية والعرقية، ورمى الإسلام بسهمٍ واحد.

 

أرجو من ولاة أمر المسلمين أن يعلموا أنّ الحقّ لابد له من قوة تحميه وتدافع عنه، فإن تركوه دون حماية فلا يلوموا إلاّ أنفسهم، فالتاريخ يسطرُ الكبيرة والصغيرة.

 

تركيا اليوم بحاجة لحلفاء استراتيجيين يقفون معها لإنقاذ الأمة بأسرها، فإن سقطت تركيا لا سمح الله، فسيسقط حكام العرب، ويجدون أنفسهم بكيس من قماش تركله الأقدام، كما ركلَ جنود هولاكو الخليفة العباسي المستعصم بالله، فلا عصمهُ اللهُ من الركل، ولا حفطهُ شعبه من الدعس، وهكذا انتهت الخلافة العباسية.

 

لا عزّة للعربِ اليوم إلاّ بالإتحاد مع إخوتهم الأتراك، فمشكاتنا واحدة، وديننا واحد، ومذهبنا واحد، وثقافتنا وتاريخنا وجغرافيتنا واحدة، وحدودنا متداخلة، وسياستنا واستراتيجيتنا واحدة.

 

فيا حكّام العرب:

إنّكم في عين العاصفة. الأكياس والأقدامُ تنتظركم، وتركيا عنها تمنعكم.

 

فهل من مجيب ؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين