أوقات الصلوات الخمس

 

?أحب الله تعالى من خليله إبراهيم عليه السلام قوله "لا أحب الآفلين"، فجعله شعارًا للحنيفية، وفرقانا بين الإيمان والكفر، وأراد من المسلمين أن يكون هذا القول نصب عيونهم ليلاً ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، مهما شغلتهم الشواغل أو ألهتهم الملاهي أو استولت عليهم الغفلات، فجعل أوقات صلواتهم دليلاً عليه، فعليه يستيقظون، وعليه ينامون، وبه من طور إلى طور يتحولون، ومن شأن إلى آخر ينقلبون.

?يستيقظ المسلم في الصباح لأول صلواته، وقد آذنت النجوم والكواكب والقمر بالرحيل، ولم تطلع الشمس بعد، فما أكمله من وقت وما أتمها من ساعة للنعي على الآفلين، يقوم المسلم ويتوضأ، ويتوجه إلى ربه قائلاً "لا أحب الآفلين"، فكل ما في الكون آفل، ومحبة الآفلين تنجيس للقلب وتلويث للعقل، ويتبرأ العبد المؤمن من محبة الكواكب والقمر والشمس وسائر المظاهر، ويقبل على رب العالمين، يخصه بالعبادة والاستعانة.

?ثم تطلع الشمس فينبهر بها المنبهرون، ويخضع لقوتها الخاضعون، ويعجب من سطوتها العاجبون، وما إن ينتصف النهار إلا وتميل الشمس إلى مغربها، ويتجلى ضعفها، ويستحكم فيها الزوال، فيترك المسلم شغله وراحته ويقبل لصلاة الظهر قائلا: زالت الشمس وحق لها أن تزول، ولكن ربي لا زوال له، هو حي لا يموت، قيوم السماوات والأرضين، وجاء وقت الظهر تذكيرًا له بقول إبراهيم عليه السلام "لا أحب الآفلين".

?ولا يمضي إلا قليل حتى تغيب الشمس وراء الجبال، فبعد أن غطت الشمس بأضوائها المرتفعات والتلال والجبال، فاءت فصارت المرتفعات والتلال والجبال تحجبها، فيقوم المسلم، ويسرع لصلاة العصر، ضعفت الشمس وضعفت أضواؤها، وانكسرت مظاهر سلطانها وقوتها، ولم يضعف رب العالمين، ولم يحجبه شيء، هو الظاهر والباطن، وتذكر العبد المؤمن بذلك قول إبراهيم عليه السلام "لا أحب الآفلين".

?ثم يحدث ما يدهش الألباب والعقول، إن الشمس التي طلعت في الصباح بأضوائها الساطعة وأنوارها الخارقة وصارت أكبر حقيقة في الكون أعجزت حتى العميان والنائمين أن ينكروها، غربت وغربت معها قوتها وشوكتها وأبهتها، فيتطهر العبد المؤمن ويقوم في خشوع يعبد من لا غروب له ولا أفول، ويقول: "لا أحب الآفلين".

?وبعد قليل تغيب جميع آثار الشمس، ويغشى الأرض ظلام مطبق، فيقوم العبد المسلم قائلا: "لا أحب الآفلين" ويؤدي صلاة العشاء، فكانت بداية يومه تذكيرا لقول إبراهيم عليه السلام، وكانت نهاية يومه تذكيرا له، وكان كل طور من أطوار يومه تذكيرا له. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" وغيره من الآيات الكثيرة في كتاب الله تعالى.

?إن العبد المسلم الذي يُذكِّره الله كل يوم عند أفضل عباداته قولَ إبراهيم عليه السلام "لا أحب الآفلين" لايمكن أن يستهويه شيء في الأرض ولا في السموات، لا المآكل والمشارب تُسعده، ولا الشهوات والملاذ تأسر فؤاده، ولا المناصب والوظائف تستميله، ولا الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة تسره، إن الصلاة تجعله لا يبغي دون رب العالمين مطلبا، فيا أيها المؤمن أسلم لرب العالمين، واسجد له، واقترب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين