الكيان الصهيوني بين الأسلحة الكاسرة والإرادة الصادقة

 

في كل يوم يطالعنا الإعلام الصهيوني بكثيرٍ من الخوف والقلق، وبغير قليلٍ من الإحساس بالضيق والكرب، بتصريحاتٍ كثيرةٍ يمزج فيها بين التهويل والحقيقة، وبين التوصيف والوقيعة، يكشف فيها عن مخاوفه من أن المقاومة العربية في فلسطين ولبنان، باتت تمتلك أسلحةً فتاكةً، وقدرةً كبيرةً، ووسائل قتالية عديدةً، قادرة على كسر معادلة التفوق الإسرائيلية القديمة، التي سيطرت بها وهيمنت، وتمكنت بسببها في بلادنا واستعلت، خاصةً أن قوى المقاومة الشعبية لا تعترف بالخوف، ولا تستسلم لمعادلة الرعب، ولا تجبن عن استخدام قوتها، واستغلال قدراتها، وتنفيذ تهديداتها، بحجة الرأي العام أو الخوف من ردة الفعل، فقرارها سيدٌ حرٌ مستقلٌ.

 

وتضيف وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المقاومة العربية تملك القدرة على تغيير قواعد اللعبة، وتستطيع إدخال الكيان الصهيوني كله في أتون المعركة ولهيب الحرب المستعرة، وقد هددت بهذا فعلاً وصرحت به، وتعامل العدو مع تهديداتها بالفعل، وهو يشعر بجدية وخطورة التهديدات، ويعترف ضمناً أنه ومجتمعه الهجين الخليط غير المتجانس، غير قادر على احتمالها ومواجهتها، فهي أخطارٌ حقيقةٌ وجادةٌ، ولا مكان في كيانهم آمن، ولا مستوطن بينهم سالم، ولا مؤسسة بعيدة عن القصف، ولا هدف خفي أو غير مرصود، بل كل الأهداف معروفة ومرصودة، وقد سمي لكلٍ منها حزمةً من الصواريخ ستطالها، ولن يكون بإمكان منظومة حيتس الإسرائيلية أو باتريوت الأمريكية المضادتين للصواريخ قادرة على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى شديدة الأثر غزيرة الإطلاق، والتي أصبحت دقيقة الإصابة، والتي يعترف العدو بأنها ستكون في سمائه كالمطر، وستصيب كل مكانٍ على الأرض.

 

لكن وزير حرب الكيان الصهيوني ورئيس أركان جيشه وكبار الضباط فيه، يهددون المقاومة وحاضنتها في فلسطين بحربٍ مدمرةٍ، وقوةٍ مفرطةٍ مهولةٍ، تعيد بلادهم سنواتٍ إلى الوراء، وتجعل الحياة على الأرض صعبةً قاسيةً، مستحيلةً مريرةً، يستهدفون فيها محطات توليد الكهرباء وتزويد المياه، والجسور والكباري والأنفاق، والشوارع والمباني والطرقات، ومخازن الوقود ومستودعات الأغذية والأدوية، والمستشفيات والمصحات ومراكز الشرطة والخدمة، ومعسكرات التدريب ومقرات العمل، وغير ذلك من الأهداف التي سبق لجيشه أن قصفها، والمراكز التي استهدفها بصواريخه ودباباته سواء في لبنان أو غزة، لكن الحياة استمرت، والمقاومة نهضت، وما نال من حروبه علينا سوى المزيد من الإصرار والعناد والثبات.

 

فهل يظن العدو الصهيوني أنه سيكون قادراً على العيش بأمانٍ وسلامٍ إن هو قام بهذه الحرب المدمرة، واستطاع أن يضرب منشآت البلاد المدينة ومؤسساتها العامة، واستهدف الشعب في غذائه ومائه وضيائه ودوائه وضيق عليه سبل حياته، وأن المقاومة بعد ذلك سترفع الراية البيضاء وستستسلم له، ولن تعود إلى تنظيم صفوفها وإعادة بناء قواتها، وتدريب وتأهيل مقاتليها، وترميم ما دمره العدوان من مرافقها ومؤسساتها، وأنها ستخاف وسترتدع، وستذعن لشروطه التي سيفرضها، وستعيش بذلٍ تحت لواء ظلمه، وعسف احتلاله.

 

إنه بهذا الوهم جاهلٌ أحمقٌ، وغرٌ أهوجٌ، تماماً كثوره ليبرمان الهائج المنفلت من عقاله، كأنه ما قرأ التاريخ، وما تعلم من دروسه، وما عرف ما ارتكبته النازية وما قام به هتلر، وما صنعته جيوشه الجرارة وجحافله السيارة، فقد أمطر لندن وعواصم أوروبية أخرى بوابل قنابله المدمرة، واحتل فرنسا واجتاح أوروبا، ولكن دماره لم ينفعه، وتفوقه الجوي لم يخدمه، فانكسر وتراجع، وهزم وسجن وانتحر.

 

وبالمقابل هل يتصور الإسرائيليون أنفسهم يعيشون في كيانهم المسكون بالرعب، والمهدد بالشطب والزوال، بلا كهرباء ولا ماء، وبلا أمنٍ ولا رخاء، وفي حالة قلقٍ دائمةٍ وخوفٍ مستمرٍ، وهل يعتقدون أن المقاومة وشعبها مثلهم، لا يقوون على العيش في الظروف الصعبة، ولا يستطيعون مواجهة التحديات الكبيرة، فأوضاعهم اليوم في ظل حكوماتهم وأنظمتهم لا تختلف عما يهددهم به العدو، ولا ما يعدهم بإعادتهم إليه إن هو شن حرباً جديدةً عليهم، فكثيرٌ من مناطقهم بلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات، ويعانون من الفقر والفاقة والمجاعة والبطالة والتهميش والحرمان، ورغم ذلك فإن مقاومتهم كبيرةٌ، وعزيمتهم شديدةٌ، وحماستهم لقتال عدوهم لا تفتر، وشجاعتهم واستبسالهم في مقاومته لا تنكر.

 

يخطيء الكيان الصهيوني إذا اعتقد أن قوته قادرة على لجم أفواج الأمة العربية والإسلامية الصاعدة، وإرهاب شبابها وأبنائها الذين لا يعترفون بمعايير القوة القديمة، ولا بموازين التفوق التقليدية، ولا تردعهم القدرة النووية ولا تخيفهم القنبلة الذرية، ولا يؤمنون بكي الوعي، ولا بالذراع العسكرية الطويلة ولا الأمنية القادرة، وقد رأى من المقاومة ما يبطل زعمه ويفشل أمله ويحبط مخططاته، وقد بات منها شاكياً وعليها غير قادرٍ.

 

فقد انتهى زمن احتلال الأراضي بالقوة وإسكات الشعوب بالجيوش الجرارة، فلا احتلال يدوم ويستمر، ولا شعوب تغلب وتقهر، وإنما إراداتٌ تفرض، وحرياتٌ تنزع، وحقوقٌ تستعاد، والتاريخ على ما نقول خير شاهدٍ وأبلغ دليلٍ، فما دام استعمار شعبٍ رغم ضعفه وحصاره، ولا بقي احتلالٌ رغم قوته وتفوقه، وما استكانت أمةٌ لعجز وقلة الإمكانيات، ولا تخلت عن حقوقها لإحساسها بالغربة ومعاناتها من الجفوة، ومن لا يخرج بالطلقة تخرجه الصرخة، ومن يستقوي بالطائرة ويتحصن بالدبابة يأتيه الموت من حيث لا يحتسب، وتطاله قبضات المقاومة من حيث لا يدري.

 

لم يعد بإمكان الكيان الصهيوني السيطرة على المنطقة والهيمنة على مقدراتها، أو تطويع شعوبها واستخذاء أبنائها، أو تركيعها والقضاء على مقاومتها، أو إجبارها على القبول به جزءاً من المنطقة، وعضواً مكوناً في الإقليم، ودولةً صديقةً وكياناً معترفاً به، مهما امتلك من القوة، وحاز على القدرة، وتفوق في الإمكانيات والقدرات، وكان حليفاً للقوى الدولية وصناع القرار الكبار، ومهما استنوق الحكام وخدع الحكومات، وطوى تحت جناحيه الملوك الرؤساء، شرط أن يقوموا على خدمته، ويمنعوا شعوبهم من مقاومته، فقد أفل نجمه، وسقطت مقولته الكاذبة بأن جيشه لا يقهر وكيانه ولا يهزم، إذ تغيرت معادلات الصراع وروح المقاومة، وتبدلت أدوات المعارك والحروب، واختلفت الأسلحة وتنوعت، وانهار الاحتكار وسقطت دعاوى التفرد، ولم تعد لديه القدرة على حسم المعارك، وإطفاء جذوات المقاومة، والقضاء على رموزها، وإعلان الحروب الاستباقية عليها، فالمقاومة أقوى منه وأمضى، والشعوب أثبت منه وأبقى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين