منبهات منعشات مع ذِكْر حكاية عم زَعَل وعم فرحان

منبهات منعشات مع ذِكْر حكاية عم زَعَل وعم فرحان ؛ لمحاولة ترك الحزن  وخاصة عند الأزمات :

 

الحزن أو  الزعل المستمر يُميت لذة كل شيء وإن كان من غير قصدٍ .

ولذا ينبغي مدح حسنات بعضنا والتجاوز عن الأخطاء والأمور التافهات ، فإن الكلام الجميل مثل المفاتيح تفتح به قلوب من حولك .

نتغافل مره ونُفَوِّت مرات  فليس كل شيء يستحق الإهتمام ‎، لا نعطي كثيرًا من الأمور أكبر من حجمها ، إن رأينا أمامنا  حجرًا  رمينا به خلفنا - وتقدمنا فهذه كما يقال: ثقافة ومهارة .

فلنلتمس  الأعذار لبعضنا  حينما لا نكون كما اعتدنا أن نكون .

فاللنفوس آفاق ووديان كما يقال .. ولعل نفوس بعضنا في أودية غير ودياننا  ، ولعل صدورنا تحوي مالا نستطيع البوْح به .

ولنرسم الإبتسامة على وجوهنا ووجوه الاخرين 

ولنسامح بعضنا يا طيبيبن 

ولنغسل قلوبنا من نزغات الشياطين  وسوء الظن خاصة بعباد الله الصالحين  ، ولنلتمس لإخواننا وأحبابنا ولو عذراً واحداً من سبعين عذراً عند التقصير . 

فنحن في زمن  تتساقط فيه الأرواح بلا سابق إنذار ويأتي الموت  بلا إخبار . 

فهنيئا لأهل التقوى  زُرَّاع الخير وحاصدي الخير والقائمين على الخير ومحسني الظن والناطقين بالحسن من القول،  والخارجين من هذه الحياة بحسن المعشر وطيب الذكر .

اللهم اجعلنا منهم والمحبين لهم فهم القوم الذين لايشقى بهم جليسهم. 

وأزيدكم حكاية عن الزعل أو الحزن والفرح فيها عبرة وعظة وحدثت واقعا أمامي إي وربي .

فكما سمعنا من مشايخنا وأئمتنا قديما : أنه قد يكون  للإنسان من اسمه نصيب ، ولذا ينبغي تحسين الأسماء للأبناء والبنات ، بل إنه من واجبات  الآباء والمربين نحو أبنائهم . 

قبل أكثر من عشر سنوات كنت بفضل الله عزوجل  في إحدى رحلات الحج كالعادة مرشدًا ومعلمًا  وصادفت اثنين من الحجاج الطيبين أحدهما اسمه الأول "زعل " والآخر اسمه الأول "فرحان"  وكلاهما  عربي فلسطيني  من سكان الأردن وأيضا مسنِّين ربما في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من أعمارهما  يقيمان بألمانيا وكلاهما أيضا اسمه مكتوب ومعلق على صدره كبقية الحجاج ، وتعجبت كثيرا لاسم عم زعل الذي وقف أمامي ذات  يوم في صف الطعام ، وكان كلما مرّ على  صنف تركه أو  غطى الإناء وكَشّر وعبس بوجهه وانتقل لغيره ، والطعام كله في الحقيقة  شهي ولذيذ ومن كثرة ماترك سألته : لماذا لايعجبك هذا ؟ قال : هذا يتعبني وذاك لا أُحبه وهذا ماطيب ، واختار بعد ذلك شيئا قليلا من نوع واحد ، ويقيني أنه أخذه على مضض وعدم ارتياح  فقلت : ياعم الحاج اسم حضرتك إيه ؟  بعد ما قرأته على صدره لأتأكد قال : اسمي زَعَل ، قلت : كيف ياعم الحاج ؟! هل سُمِيت هكذا فأجاب : نعم

وحكى لي الحكاية بأن والديه  كانا  متقاتلين -- بمعنى  متخاصمين --  وأمُه حامل به وذَهَبَتْ غاضبة لبيت والديها ، وتم وضعها هناك ،  فولدته  في بيت جده فسماه أهل أمه وأخواله "زعل" نسبة للخصام بين أبيه وأمه ، وتم الصلح بعد ذلك ، لكن  للأسف الشديد بقي الاسمُ الذي وجدتُ تأثيره والله ياإخواني واضحا كل الوضوح في وجه وسَمْت عم الحج زعل ، والذي ماشاهدته طوال الرحلة وأيام الحج كلها إلا مُكْفَهِر الوجه عابسا حزينا ، لم يبتسم وربي ولو مرة واحدة  وآلمني ذلك عليه كثيرا .

اما الآخر عم فرحان  فكنت أحرص على رؤيته والقرب منه والحديث معه فهو رجل لايكف عن الضحك والممازحة بذكاء ولطف  وأدب 

حتى من شدة فرحه وظرفه وخفة دمه  تأثر جسده فهو رقيق الجسد خفيف الوزن رشيق  الحركة رغم كبر سنه وعمره فهو أكبر سنا من عم  زعل  لكنه أخف وزنا ودما منه 

وهو أيضأ جميل المعشر تحب أن تراه وتبتسم لرؤيته ليس سخرية منه، ولكن لجمال نفسه ، وخفة دمه ونكاته التي يطلقها وتعليقاته على مايحدث من بعض الحجيج  حتى ونحن في الحرم الشريف ،  أضحكني كثيرا عندما رأى وسمع كثرة أصوات السُعَال من الناس قال : طيب اسعلوا بهدوء لحسن تضرطوا ويبطل وضوءكم وصعب تتركوا أماكنكم وتروحوا تتوضوا .

وبعد مشاهدتي واجتماعي وصحبتي  أيام الحج بعم زعل وعم فرح 

أيقنت أن لكل إنسان من اسمه نصيب

وأن الهم والحزن مضر بصاحبه ويأتي بالكآبة التي تثقل الدم والوزن 

وتجلب الأمراض والعياذ بالله ،  وقد استعاذ منهما سيدنا وحبيبنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

ومن الوصايا التي لاأنساها لشيخنا المفضال الشيخ أحمد المحلاوي  حفظه الله 

وقالها  لي في إحدى زيارته لألمانيا ونحن نسير في شوارع  مدينة شتوتغارت قال :

انتبه يابني لأمور وذكر منها الهم الذي يثقل الجسد واعلم أنه ليس بالطعام فقط يثقل ويزيد الوزن ، وإنما الهم والحزن له دور  كذلك في ثِقَل الجسد ومرضه .

وانتبه  لنفسك في أمر المذاكرة والمطالعة فالمستوى العلمي يضعف ويقل في هذه البلاد  لو لم تنتبه لنفسك لأن الناس هنا كما ترى يكفيهم القليل لكثرة مشاغلهم وضعف ارتيادهم للمساجد وعدم انشغالهم بالعلم والتعلق بالعلماء. 

وليكن لك نصيب من قيام الليل فهو دأب الصالحين ومقربة من الله عزوجل ومطردة للداء من الجسد كما جاء فى بعض الأحاديث 

وهو سبب من أسباب الفتح والقبول لأهل العلم والداعين إلى الله عزوجل

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدَين وقهر الرجال  .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين