الوحدة الإسلامية في الشعر العربي الحديث

 

تعد الوحدة من أهم مطالب الشعوب العربية والإسلامية في العصر الحديث، لما عانت من الأثر السيئ للفرقة والتمزق؛ حتى تسلط أعداؤها عليها فوقع معظم البلاد العربية والإسلامية تحت سيطرة الأمم الأوروبية، التي استغلت خيراتها، ورسخت شعور الاختلاف بينها، وأقامت حواجز تمنع الوحدة الإسلامية بأي شكل من الأشكال ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

والدعوة إلى الوحدة أساس في الإسلام بنص الآية الكريمة: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، والتحذير من الخلاف أساس أيضاً بنص الآية الكريمة: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). 

من هذا الإيمان الراسخ في قلوب المسلمين غرد شعراؤنا في العصر الحديث بالدعوة إلى الوحدة في كل مناسبة، وحذروا من الفرقة، وبينوا إيجابيات الأولى، وحذروا من عواقب الأخرى، حتى صارت من أبرز موضوعات الشعر العربي الإسلامي الحديث، وكتبت فيه رسائل جامعية مثل الوحدة الإسلامية في الشعر العربي الحديث للدكتور عبدالعزيز الثنيان، تناول فيه المرحلة الزمنية 1293 – 1365هـ، الموافق 1876 – 1945م.

 ولكن الواقع العربي والإسلامي لم يتغير تغيرًا جذرياً، ولم يتحقق للأمة الإسلامية وحدتها المنشودة كما يريد كل مسلم، ويتصورها كل شاعر؛ لذلك بقي الشعراء يتناولون هذا الموضوع في كل مناسبة تدعو إلى ذلك.

فهذا هو الشاعر العراقي وليد الأعظمي في (ديوانه الزوابع، ص70) يقول: 

وكيف يقوم مجتمع سليم=ترف عليه بالعز البنود

إذا لم يتخذ نهجاً سديداً=ينص عليه قرآن مجيد

ومن هذا النهج الوحدة وعدم التفرق فيقول:

فصونوا وحدة الآمال فيكم=ولا تتفرقوا شيئًا تسودوا

وفي (ص76) يقول:

يا من جعلتم رسول الله قدوتكم=هذا هو المجد فامتازوا عن الأمم

سووا الصفوف وصونوا سر نهضتكم=واستجمعوا الأمر قبل اللوم والندم

وهو في هذا ينظر إلى الآية الكريمة من سورة الصف: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص).

ويتناول الشعراء كثيراً فكرة الوحدة الإسلامية وعدم التفرق؛ عندما يتحدثون عن فريضة الحج، لأنها الفريضة التي تجمع المسلمين في الزمان والمكان والمشاعر والشعائر بشكل ليس له مثيل، فتراهم يبتهلون إلى الله أن يجمع صفوف المسلمين ويوجد كلمتهم عامة، فهذا هو الشاعر المصري محمد التهامي يشكو إلى الله ما أصاب المسلمين من بأس الأعداء فيتضرع إلى الله سبحانه قائلاً (ص55 من ديوانه يا إلهي): 

وصفّنا يا إله الكون مفترق=لا يستجيب إلى الداعي ويأتلف

وأنت يا ربنا غوث لنكبتنا=تعيننا لنلاقي من بنا عصفوا

وفي (ص33) يشكو من الذين يعملون دائمًا لتخريب الصف الواحد من الداخل، فيقول: 

وفي صفنا من مبعث الشر دافق=لكل الذي يضري العداوات زاخر

ونبلى بشر الناس بين صفوفنا=وفي عرفهم أن تستحل الكبائر

فلابد من التنبيه لهذا الخطرالذي هو أشد من العدو الخارجي. 

الشاعر السوري د. وليد قصاب يلفت نظرنا إلى الاقتتال الداخلي بين المسلمين متخذاً من الرمز التاريخي مدخلا غير مباشر لإيصال فكرته إلينا، فيعنون قصيدته بحرب البسوس (ص78 من ديوان فارس الأحلام القديمة) فيقول موضحاً استغلال العدو الخارجي التناحر الداخلي لدى المسلمين:

كروا على بكر وتغلب عندما اشتجر القتال

وتلاحم الأخوان يصطرعان من أجل السراب

وبسوس تضحك كلما زحف الخراب

ورأت جحيم الموت من باب لباب

أبناء وائل أمرهم عجب عجاب

أعدى على بعض من الأسد الضواري والسباع

وعلى التتار الواغلين بلا ذراع

وكأن الشاعر يشير إلى معنى ما ورد في الحديث الشريف أن الله سبحانه لم يستجب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجعل بأس أمته بينهم. وهذا هو التشرذم الذي تعيشه الأمة في بقاع شتى من خلافات داخلية في فلسطين والصومال.. وغيرهما من بلاد العرب والمسلمين تمنع وحدة كلمتهم، وتفتح المجال لعدوهم في السيطرة على مقدراتهم.

 ويرتفع صوت الدعوة إلى الوحدة وجمع الصف كلما اشتد عدونا في الاعتداء علينا، فعندما اشتد عدوان الصرب على المسلمين في البوسنة والهرسك ارتفعت أصوات الشعراء تدعو إلى الوحدة، فهذا هو الشاعر السعودي يوسف عبداللطيف أبو سعد في قصيدته سراييفو والجراح النازفة (ص26 من ديوان البوسنة والهرسك) يقول:

تنادى المسلمون بكل فج=ألا ائتلفوا فقد عبث الطغام

فشمس الحق تشرق بالتآخي=وتندحر الضلالة والأثام

لقد كنا يؤلفنا انتماء=إلى الإسلام يسنده دعام

ولا ينسى في السياق نفسه أن يشير إلى ما حل بالأفغان بسبب الفرقة بعد انتصارهم الكبير على الاحتلال السوفيتي الشيوعي، فيقول:

كما الأفغان حيث بدت شموس=تكاثف في سمائهم رهام

تناسوا كل ما بذلوا لمجد=فأوشك أن يطيح بهم انقسام

وقد توفي الشاعر أبو سعد – رحمه الله – قبل أن يرى ما حذر منه هاهنا، فقد أطاح الانقسام بكل فصائل الجهاد التي كانت مدعومة من العالم الإسلامي، وما زالوا يعانون من آثاره.

الشاعر د. صابر عبدالدايم في (ديوانه مدائن الفجر ص46) يتخذ أسلوباً رمزياً جميلا للدعوة إلى الوحدة وإقناعنا أنها سبيل النجاة، فيسمي قصيدته السفينة والطوفان، وهو بذلك ينقلنا إلى عالم مليء بالمعاني فنستحضر قصة سفينة نوح عليه السلام ونجاته والمؤمنين معه من الطوفان الذي نظف الأرض من الطغيان، فيقول:

واصلي يا سفينة نوح=إن ربانك الذي غاب حيّ

ثم يقول مصرحا بغرضه من رمز السفينة:

ضمدي الجرح ليس يعصم إلا=وحدة الصف للثرى اليعربيّ

فلا شك أن السفينة هي الإسلام، والركوب فيها هو معنى الوحدة، والذي يبقى خارجها يهلك حتماً.

الشاعر الفلسطيني د. عدنان النحوي تطفح دواوينه بالدعوة إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة؛ ذلك أنه جعل من فلسطين همه الخاص من دون أن ينسى مآسي المسلمين وجراحاتهم، فكتب ملاحم شعرية عديدة عن فلسطين والأقصى والبوسنة والأفغان والعراق والهند وغير ذلك، وهاهو ذا في (ملحمة أرض الرسالات ص124) يتحدث عما حل ببلاد الشام وتقسيمها واغتصاب فلسطين، فيقول:

يا ديار الشآم أي بلاد=حل في الدار أي سر باد

فتنة بعد فتنة بعد أخرى=وحشود من العدى في ازدياد

أطبقوا ثم قطعوا كل دار=حين هانت فأفلتت من أياد

ما يزالون ينظرون إلى الأفــــق ليمضوا في جولة وتماد

وبعد تصوير الداء يصف الدواء فيدعو إلى الاعتصام بالله والنهوض من هذا الواقع المحزن فيقول:

فانهضي يا ديار واعتصمي بالله هبي لساحة وتناد

ليس من ملجأ سوى ملجأ الله وعزم في اليقين باد

وكلمة الاعتصام بالله سر التعبير عن الوحدة الإسلامية، إذ لا فائدة من أي وحدة بغير الاعتصام بالله. 

وبنفس المنهج تشخيص الداء ووصف الدواء يصور الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي (ص82 من ديوانه نقوش على واجهة القرن الخامس عشر)، فيقول:

نحن في حاجة إلى إيمان=ويقين به القلوب تفيض

نحن في حاجة إلى إقدام=كل حل من دونه مرفوض

نحن في حاجة إلى وحدة الصـــفِّ كما احتاج للدواء المريض

ويستنكر الخلافات القائمة بين المسلمين، فيقول: 

يا بلاد الإسلام ما ذا الخلاف=ولماذا التمزيق والإرجاف

كنت بالأمس أمة بالتآخي=فلماذا يثور فيك الخلاف

كيف أصبحت كالفريسة=للأعـــــــداء هذا يسطو وذاك يعاف

كيف أصبحت مسرحًا يتبارى=فيه أعداؤنا ونحن الضعاف؟

وينهي قصيدته الطويلة بتسليم الأمر لله سبحانه فيقول:

وإلى الله ينتهي كل شيء=جل من حاكم إليه المآب

وهذا غيض من فيض مما نظمه شعراؤنا المعاصرون في نبذ الخلاف، والدعوة إلى الوحدة على أساس الاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى، فكانوا اللسان الحق لأمتهم يعبرون عن آمالها وآلامها. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين