مائة عام على معركة كبكب المنسية

 

كانت بحيرة تشاد نقطة التقاء الحدود التي صنعها المستعمر بعد اتفاقية  سنة 1893م والتي بموجبها فُصل بين نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، أو بالأصح بين مناطق نفوذ الدول الاستعمارية الثلاث، فرنسا وبريطانيا والمانيا .

 

خاضت خلالها المقاومة التشادية حروب طويلة المدى ضد المستعمر الفرنسي دامت أكثر من سبع سنوات كانت سجالاً بين الطرفين, وكان آخرها المعركة الشهيرة التي وقعت  بالقرب من مدينة ( قصيري ) قُتل فيها القائد الفرنسي ( لامي )  وجرح الأمير ( رابح  ) الذي توفي على أثر هذه الجروح سنة 1900م واستطاعت القوات الفرنسية احتلال عاصمته ( ديكوا ).

 

ثم قاد لواء المقاومة بعد الأمير رابح ابنه ( فضل الله  ) الذي قاوم الاستعمار بعد أبيه إلى أن قُتل  شهيدا مثل أبيه سنة 1909م وتمَّ القضاء على المقاومة بعد معركة ( عين جالا )  عام 1911م .

 

على إثر هذه المعركة قررت الحكومة الفرنسية إطلاق اسم (تشاد) على هذه المنطقة وتم ضمها إلى منطقة أفريقيا الاستوائية الفرنسية التي شملت إضافة إلى تشاد : الغابون  والكاميرون والكونغو وأفريقيا الوسطى، وبذلك تم اتصال مناطق المستعمرات الفرنسية مع بعضها وأصبحت تمثل منطقة جغرافية متصلة دون فواصل طبيعية أو سياسية .

 

أراد الفرنسيون أن يستوطنوا في البلاد ويجعلوا من أهلها رعايا أذلة . فلم يجدوا لهم عدواً كالإسلام الذي يقف كالطود العظيم الذي يحول دون تحقيق أهدافهم في الاستعمار والاستقرار والاستغلال.

 

 فعمد المستعمر إلى إعداد خطَّة محكمة للنيل من خصمهم – الإسلام – فدعوا جميع العلماء من مختلف جهات تشاد وأوهموهم بأن اللقاء حول إدارة البلاد وكيفية تصريف شئونها . ولكن الخديعة والغدر كانا وراء هذه الدعوة الخبيثة حيث تم جمع ما يقارب من أربعمائة عالم في مدينة  ( أبشة ) في إقليم ( واداي ) سنة 1917م وتم القضاء عليهم بدم بارد في مرة واحدة .

 

عُرفت هذه المذبحة الشنيعة بمذبحة ( كبكب ) وهو دليل على المعنى الحقيقي  الشامل للمذبحة لعدم نجاة أحد من العلماء، ودليل على أن المستعمر أجهز على الجميع ولم يبقي  أحداً منهم .

 

 لم تُنكر سلطات الاستعمار الفرنسي ما قامت به من جريمة نكراء  في حق العلماء المسلمين في تشاد بل قامت بتبرير تلك الجريمة بمبرر أقبح مما فعلته أياديها الأثمة الظالمة حين أعلنت دون حرج؛ إن فٍعلتها جاءت للقضاء على الرجعية وأوكارها - المتمثلة في دين الإسلام وعُلمائه ودعاته – وقد آن للبلاد أن تتحرر من كل قيد يفرضه الدين – الإسلامي – والأخلاق  المنبثقة عنه وعن تعاليمه .

 

ولم تكتف قوات المستعمر الفرنسي بمذبحة ( كبكب ) بل شرعت في تتبع وملاحقة من بقي من معلمي القرآن والمربين والوعاظ والعلماء الذين لم تطالهم يد غدر المستعمر في مذبحة ( كبكب ) بسبب عدم تواجدهم أثناء مباشرة الجريمة حتى اضطروهم إلى الهروب والنجاة بأنفسهم إلى خارج البلاد ، واستمرت محاربة الدين الإسلامي في تشاد وَفْق خطة ممنهجة ومحكمة طويلة المدى وضعها المستعمر تقوم على طريقين :

 

الأولى مباشرة :

 

عن طريق نشر الدعاية ضد الإسلام في شريعته وتشويه الرموز التي تمثله باعتباره دين رجعية وتخلف وهو دخيل على المنطقة جاء من مناطق أخري بعيدة لا صلة لها بالمنطقة أراد أصحابه أن يكون ذريعة لبقائهم في البلاد وبسط نفوذهم عليها ؛ وأن العالم لم يعد بحاجة إليه، وأن البديل يمكن فيما يقدمه المستعمر الأوربي ، ووصفه بالاعتقاد البالي الذي لم يعد يصلح في هذا العصر وأن البديل هو ما يقدمه المستعمر من قيم وأفكار وثقافة .

 

الثاني غير مباشر:

 

وهو الأخبث من خلال تبني مشروع نشر الفساد والدعوة إلى التفسق والتحلل والدعوة إلى الاختلاط  الماجن والسفور الفاضح وتقديمها على أنها علامات التحضر ومواكبة العصر والطريق إلى التقدم ؛ كما ساهمت حكومة الاستعمار الفرنسية في نشر المخدرات والخمور وفتح محلات الرذيلة ونشر الصحف والأفلام الإباحية .

 

كما عمل الفرنسيون على إبقاء أبناء الشعب التشادي بعد القضاء على العلماء ومدارس التعليم في حالة من الجهل والفقر مع معاناة المرض والتخلف وحرمانهم من الدخول في المدارس الحكومية التي تشرف عليها حكومة الاستعمار ؛ بل بلغ بالمستعمر الفرنسي أنه لا يسمح للمواطنين التشاديين العلاج في المستشفيات التي يشرف عليها – المنصِّرون – إلا الذين يعتنقون الديانة المسيحيَّة ؛ لهذا وصل الحد من وحشيَّة المستعمر وتجرُّده من أبسط معاني الإنسانية التي يُحرم فيها الإنسان من أبسط حقوقه في التعليم والعلاج . بل جعل من العلاج وسيلة ابتزاز لتحويل وإخراج أهل تشاد المسلمين من دينهم الذي هو دين آبائهم وأجدادهم إلى الدين المسيحي مقابل العلاج أو جرعة من الدواء تبقيهم على قيد الحياة !!!!!  وكانت فرنسا تسعى لامتصاص واحتواء كل مكون ثقافي أو اجتماعي من السكان المحليين إلى الثقافة الفرنسية وهو ما عرف بالثقافة ( الفرانكو فونية ) التي انتجت جيلا طالب باستقلال البلاد عن فرنسا وقيام جمهورية تشاد سنة 1960وإعلان دستور ينص على أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد !!!!!!.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين