أم حبيبة (رضي الله عنها)

 

هي (أم المؤمنين) أم حبيبة رضي الله عنه

اسمها رملة بنت أبي سفيان.

وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أخت الخليفة معاوية بن أبي سفيان.

كانت رضي الله عنها مجاهدة، صابرة، تحملت المتاعب الكبيرة في سبيل إيمانها بالله سبحانه وتعالى.

وهي من أول المؤمنين هجرة إلى الحبشة فراراً بدينها. 

تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وسلم من عبيد الله بن جحش، الذي أسلم مثلها، وهاجر معها إلى الحبشة ، وفي الحبشة ولدت له بنتاً أسمتها حبيبة وبها تكنى.

وكانت المفاجأة في ديار الغربة أن تنصَّر زوجها، وصار يشرب الخمر، وحاول أن يحمل زوجته على ترك دينها فرفضت. 

وكانت تحاول معه ليرجع إلى الإسلام، ولكنه أصرَّ على الكفر، واستمر على ذلك حتى مات.

قالت أم حبيبة: رأيت في المنام زوجي (عبيد الله بن جحش) بأسوأ صورة فأصابني خوف شديد، فأصبحت فوجدته قد تنصَّر، فأخبرته بالمنام فلم يهتم به، وأدمن على الخمر حتى مات.

وهكذا عاشت أم حبيبة رضي الله عنها أيام الغربة والبعد عن الأهل والوطن، وفقدت زوجها، وبقيت بمفردها مع ابنتها حبيبة اليتيمة، لكنها كانت مؤمنة بالله وبرسوله  صلى الله عليه وسلم فصبرت على هذه الظروف الصعبة والقاسية، وكانت تعلم أن الله لن يتركها، وتعلم أن الفرج سيأتي بعد الشدة، وأن مع العسر يسراً، فالذي يتقي الله تعالى ويتوكل عليه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

قال الله تعالى : ? وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ? .

وبعد أيام قليلة جاءها الخبر السعيد، وجاءتها البشرى  الفرج ، 

طُرق عليها الباب، فقالت: من بالباب؟

أجابت امرأة: أنا جارية من جواري النجاشي. 

قالت أم حبيبة: لماذا جئت؟ 

قالت الجارية: جئت أبشرك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خطبك لنفسه؟ 

وما أن علمت واستيقنت بأن الخبر حقيقة صاحت: بشرك الله خيراً، ثم نزعت ما تمتلك من حلي وجواهر وقدمته للجارية .

تقول أم حبيبة رضي الله عنها: رأيت في نومي شخصاً يناديني، فقال: يا أم المؤمنين فخفت منه، وبعد أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن، فإذا هي جارية له يقال لها: أبرهة فقالت: إن الملِك النجاشي يقول لك: وكّلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكّلته، فأعطيت الجارية أبرهة سوارين من فضة، فلما كان العشاء أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال :

أما بعد فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – طلب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبته، وقد أعطيتها عنه مهراً قدره أربعمائة دينار من ذهب، ثم وضع الدنانير. فخطب خالد فقال :

قد أجبت إلى ما طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجته أم حبيبة.

وعمل لهم النجاشي طعاماً فأكلوا وفرحوا.

 قالت أم حبيبة: فلما وصل إليّ المال أعطيت الجارية التي بشرتني خمسين ديناراً، قالت فردتها علي، وقالت: إن الملك عزم علي بذلك، وردت على ما كنت أعطيتها أولاً.

 ثم جاءتني من الغد بعطر من عود وعنبر، فقدمت به معي على رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

وعاشت أم حبيبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سعادة وهناء.

وفي يوم من الأيام جاء أبوها أبو سفيان (وكان مشركاً) إلى المدينة المنورة لزيارة ابنته أم حبيبة. فلما دخل بيتها، جاء ليجلس على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم – فمنعته وطوت الفرِاش. 

فقال أبو سفيان: يا ابنتي لم تمنعيني من الجلوس على الفراش؟ 

فقالت: هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل مشرك نجس. 

فقال: يا ابنتي لقد أصابك بعدي شرٌّ. 

قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت : قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. 

فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك، وسامحتك من ذلك كله. 

فقالت أم حبيبة: سررتني سركِ الله، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك.

وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، داومت أم حبيبة على عبادة ربها. 

وكانت لا تخرج من بيتها إلا لحج أو عمرة، حتى توفاها الله في العقد السابع من عمرها.

فرضي الله عنها ورحمه الله تعالى وأكرمها في جناته جنات الخلد.

فما أحوج المسلمات اليوم أن يقرأن سيرة هذه السيدة الجليلة ليدركن الفرق الكبير بينهن وبين أمهات المؤمنين اللواتي تخرَّجن في مدرسة النبوة، فالله أسأل أن يرزق نساءنا وبناتنا الاقتداء بالصحابيات الجليلات والسير على طريقهن، إنه سميع مجيب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين