يوسف زيدان وصلاح الدين.. وما تخفي صدورهم أكبر -2-

 

(4) اضطراره لتحرير بيت المقدس لأن أخته أُسِرت

 

يحاول زيدان أن يطعن في صلاح الدين بأن يجعل تحريره لبيت المقدس إنما كان لغضب شخصي لا لأنها مهمة دينية مقدسة، فجاء بما يضحك، وكم في مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا.

 

فلو أن صلاح الدين حرر القدس إنقاذا لأخته فلنعم الأخت هي على الأمة وعلى المسلمين، قد كانت طريقا لتحرير المدينة المقدسة، ولا يُلام الرجل إن غضب لعرضه فشنَّ حربا، فكذلك يفعل الأحرار ذووا المروءة والنجدة لا المخانيث الذين يحكموننا الآن فيهتكون أعراض نساء البلاد بأنفسهم، ولا تهز فيهم انتهاكات أعراض المسلمات شعرة!

 

لكن الواقع أن المسألة لو كانت مسألة أخته، فما أسهل أن يهدد صلاح الدين بحرب فيطلقونها له تجنبا لحرب لا يطيقونها، لا سيما والوقت كان حينئذ وقت هدنة قبل أن يخرقها إرناط، وأغلب الظن أن يوسف زيدان أخذ هذه القصة من فيلم "مملكة الجنة"، حيث ورد فيه هذه القصة.

 

والحقيقة أن ست الشام (أخت صلاح الدين) لم تؤسر، ولو أُسِرت لكان الخبر مشهورا ذائعا في كتب التاريخ، إلا أن ذلك لم يكن، وإنما الذي ورد أن قافلة كانت فيها ست الشام خرج لها جيش لحمايتها من غارة متوقعة لإرناط، وقد تم الأمر ومضت القافلة بسلام!

 

إن مجرد سوق هذا السبب في تفسير تحرير صلاح الدين لبيت المقدس إنما يدل على حقد عميق في نفس صاحبه، إذ إن سيرة صلاح الدين منذ أولها إلى آخرها هي سيرة مجاهد يضع القدس صوب عينيه، عاش لهذا المشروع أبوه من قبله حين كان قائدا لعماد الدين زنكي ثم لنور الدين، وفي الجهاد ضد الصليبيين مات أخوه، وكانت أسرته عماد الدولة الزنكية وعصبتها العسكرية، ولهذا جاءوا إلى مصر، ولهذا انطلقوا إلى بيت المقدس، ولهذا واجهوا الحملة الثالثة وأعجزوها عن إعادة احتلال القدس!

 

ألا صدق المتنبي:

 

وإذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأني كامل

 

***

 

(5) تفسير ما يناقض ذلك

 

لو أن الأمر مجرد بحث علمي نزيه لوجد يوسف زيدان نفسه مضطرا قبل أن يُصدر هذا الوصف القبيح أن يُفَسِّر ما يناقض هذا الوصف مما اشتهر به صلاح الدين.

 

لقد اشتهر صلاح الدين شهرة واسعة بالأخلاق والنبل والفروسية، وقبل أشهر كنت أقدم ورقة علمية عن "مدح المستشرقين والمؤرخين الغربيين للسلطان الناصر صلاح الدين" في مؤتمر علمي عن صلاح الدين عقدته جامعة سييرت التركية، فاستطعت أن أجمع من أقوالهم بغير مجهود كبير ما لو قيل بعض بعضه من قِبَل مسلمين لاتُّهم بالتعصب والتطرف!

 

(راجع هذه المقالات الأربعة ففيها خلاصة الورقة: https://goo.gl/jteXiQ)

 

لقد بلغت شهرة صلاح الدين في التاريخ مبلغا عظيما لأن الآراء قد أجمعت على أنه أنبل من اشترك في الحروب الصليبية كما قال ول ديورانت، وهو الذي كانت أخلاقه قد سحرت الكثير من الفرسان الصليبيين فأسلموا وتركوا دينهم كما قال توماس أرنولد، إلا أنه عند مثقفي نكبتنا وخيبتنا "من أحقر شخصيات التاريخ"!!

 

لو كان الأمر علما حقا لاجتهد أن يفسر يوسف زيدان كيف ظهرت من كل صلاح الدين هذه الأخلاق، وهو الحقير الموغل في الحقارة، وكيف شملت أخلاقه الأقليات غير المسلمة تحت حكمه بل وشملت أعداءه الصليبيين، وكيف شملت رعايته –إن كان يكره العلم ويحرق الكتب- العلماء ورفعه لمقامهم واستعانته بهم والجلوس إليهم.

 

ثم لا بد أن يخرج بتفسير يمكنه الصمود أمام الرسوخ التاريخي لحقيقة ومكانة صلاح الدين والتي هي موضع اتفاق بين المؤرخين، حتى إن بعض الغربيين اصطنع له نسبا في المسيحية، فادعى أن أمه مسيحية أو أنه اعتنق المسيحية عند موته، ووضعه دانتي مع فضلا الكفار في جحيم الكوميديا الإلهية.. فهل يستطيع زيدان أن يفعل؟!

 

لو استطاع المهرج أن يلمس الشمس لاستطاع مثل زيدان الخروج بتفسير يدعم حكمه الساقط هذا!

 

ولا أجد ختاما خيرا من وصف القاضي ابن شداد وهو يتحدث عن يوم وفاة صلاح الدين، فيقول: "كان يوماً لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وتالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فِدَاء من يعزُّ عليهم بنفوسهم، فكنت أحمل ذلك على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم، فإني علمت من نفسى ومن غيري أنّه لو قُبِلَ الفداء لفُدِىَ بالنفس" (النوادر ص364 ت: الشيال ط الخانجي).

 

ترى هل يرضى يوسف زيدان أن يفدي السيسي بنفسه؟!!

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين