
أما فيما يتعلق بالذاتيَّة الإسلامية، والذاتية الإسلامية تعني تشريعاً وتعني نظام مجتمع وتعني نظام عقائد، وتعني أخلاقاً فإنه لابدَّ أن نأخذها من الإسلام، إنَّ الحضارة الغربية في قسمها الثقافي زُيِّفت تَزييفاً كاملاً، ونضرب بعض الأمثلة:
علم الاجتماع، وعلم النفس، من الذي يُدَرِّسُهما في أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر؟ أكثر من ثمانين في المائة من أساتذتهما هم من اليهود، وقد وضعوا الخطَّة محكمة مُتعمِّدين أن يستولوا على كراسي الجامعات في هاتين المادتين بالذات علم النفس وعلم الاجتماع، وعلم النفس الذي خرج إلى التجربة فأصبح مادياً لا يَعبأ به أساتذة اليهود، وإنما يَعبثون بعلم النفس الذي ما زال نظريات، مثل: كيف نشأت الأديان؟ الأخلاق كيف تقوم؟ ما هو المصدر للأخلاق؟ ما هو المصدر للدين؟
إنَّ هذه كلها نظريات، ومن أجل ذلك يتحدَّثون عنها، ويذكرون آراء يَتعمَّدون التزييف فيها، ويحاولون بذلك أن يفسدوا على الإنسانيَّة عقائدها وأخلاقها وتشريعها عن طريق علم النفس، وعن طريق علم الاجتماع؛ لأنَّها نظريات يمكن لك أن تُبرهن بأسلوب شيطاني على صدق بعضها، تحدَّثوا عن نشأة الأديان وكأنَّ الله سبحانه وتعالى غير موجود، وهكذا الأمر في كل هذه النواحي، أفسدوا على شباب الجامعات في أوروبا وأمريكا دينهم وأخلاقهم وهم يبغون من وراء ذلك – وهذا المعروف – أن يفسدوا على الإنسانيَّة، مسيحية ومسلمة، وكل نِحْلة من النِّحل أن يفسدوا عليها أخلاقها، وأن يفسدوا عليها دينها لتتحلَّل وتفسد، ويسيطروا هم من وراء كل ذلك.
إنَّهم يقولون في هذا الكتاب الذي يجب أن يقرأه المسلمون جميعاً: كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون) يقولون مثلاً: نحن الذين رتَّبْنَا نجاح (كارل ماركس) و (كارل ماركس) يقول: إنَّ الدين أفيون الشعوب، ولما قيل له لكن الإنسانية لا تَستغني عن عقيدة، فما هو البديل لعقيدة الألوهية؟ قال بصراحة: البديل عن عقيدة الألوهية: المسرح، ألهوهم في المسرح، افتحوا المسارح، واجعلوهم يَتَناقشون في التمثيليَّات وفي الروايات، فذلك يصرفهم عن الله سبحانه وتعالى.
نحن الذين رتَّبنا نجاح (كارل ماركس) هذا ما يقوله اليهود، رتَّبوا نجاحه بالمقالات، بالصحف، بكل وسيلة من الوسائل، ويرتبون نجاحه في الجامعات عن طريق علم الاجتماع.
ونحن الذين رتَّبنا نجاح (فرويد) صاحب نظرية الجنس، يقول لك: (إنَّك تعتقد أنك تسير بحسب مُثُل عُليا وبحسب فضائل وما شاكل ذلك، كلا، إنَّ الذي يُسيِّرك الغريزة الجنسيَّة، إنَّه ينحطُّ بالإنسانيَّة إلى مُستوى أقل من مُستوى الحيوانات، ومن أجل ذلك رتَّبوا نجاحه؛ لأنَّه يجعل أن لا مكان لشيء اسمه الفضيلة أو لشيء اسمه الكرامة، أو لشيء اسمه المُثُل العُليا، إنَّه جعل كل سبب وكل عِلَّة للسلوك الإنسانية إنما هي الغريزة الجنسية.
ورتَّبوا نجاحه أيضاً في الصحف والمجلات بالمقالات، بالكتب، لا بالعشرات وإنما بالمئات، في بيان نظريته: لأنَّها أيضاً نظرية تفسد على الإنسانية أخلاقها ومثلها العليا وفضائلها، وأخذوا يَستفيضون في تدريس نظريَّته في علم النفس.
ونحن الذين رتَّبنا نجاح (نيتشه) و(نيتشه) أنكر الأخلاق الفاضلة على الإطلاق، إنه يقول: (إنَّ ما يسمونه الأخلاق الفاضلة ضعف، وأنَّه إذا تيسر لك أن تذبح أو تزني وأن تسرق وأن يكون استمتاعك في هذا وأن تسيل الدماء أنهاراً، وأن تمشي على رؤوس بني البشر فافعل، ومن أجل ذلك أيضاً رتَّبوا نجاحه بكل الوسائل الممكنة.
ونحن الذين رتَّبْنا نجاح (داروين). إنَّ هذه اعترافاتهم وليست من عندي، و(داروين) يقول: بنظرية (التطوُّر) ونظريَّة التطوُّر ليست نظريَّة ثابتة، فإنَّها تقول: (إنَّ الإنسانيَّة مُتطوِّرة في عقلها وفي تفكيرها) ومعنى هذا أنَّه ليس هناك قضية مُطلقة لا في الأخلاق ولا في التشريع، ولا في العقائد، ليست هناك قضية مُطلقة ثابتة فيما يتعلق بهذه المجالات، وإنَّما هذه القضايا في هذه المجالات تتبع رقيَّ الإنسانيَّة، فما هو حقيقة اليوم سيكون في الغد غير صحيح، وهكذا الأمر فيما يتعلَّق بالتطوُّر، إنَّه ما من شكٍّ في أنَّ هناك التطور المادي، هناك التطور من الإبرة إلى ماكينة الخياطة، وهناك التطوُّر من وابور الغاز إلى البوتوجاز، وهناك التطور في وسائل المواصلات لا حصر لها، هناك تطور مَادي وهذا ما لا يُنكره مُنكر، ولكن هذا شيء، وكون الإنسانيَّة تتقلَّب في عَقْلِها وفي ذكائها من طَور إلى طور هذا شيء آخر وإذا كان الأمر الأول صحيحاً أو صادقاً فيجب ألا نأخذه مثلاً للفكرة الثانية وهي تطور الإنسانيَّة كإنسانيَّة، إن تطور الإنسان كإنسان تطوره في عقله، تطوره في ذكائه.
لم يحدث أنَّ التطوُّر حدث في الوسائل التي يَسير عليها المجتمع، والتي يَسير بحسبها المجتمع، لو أخذتَ طفلاً من أرقى البيئات الأمريكيَّة حضارة ووضعته في مجاهل أفريقيا سينشأ طفلاً في المجاهل والغابات، سينشأ طفل غابة، لا علاقة له بحضارته الأصليَّة، وإذن ليس هناك في حقيقة الأمر تطور فيما يتعلق بالعقل، ولن تكون الإنسانية شيئاً آخر غير كونها إنسانية، وفكرة التطور فضلاً عن ذلك تحدَّث عنها كبار المفكرين الأوربيين، وقالوا: إنها ليست بنظرية ثابتة وإنَّ الإنسانيَّة باعتبارها إنسانية لم تتطور فيما يتعلق بالنشأة عن خليَّة ثم عن كذا ثم عن كذا إلى أن وصلت إلى الإنسان، قالوا إنَّ هذا وهمُ واهمٍ بالأدلة الثابتة عندهم.
ومن غريب الأمر إننا نستعمل كلمة التطور فيما يتعلَّق بالإنسانية بمحيطاتها الإسلاميَّة، وسيطرت علينا الكلمة، وكأنَّها حقيقة وكما تأثَّرنا في كثير من الآراء، آراء فرويد أو آراء كارل ماركس، تأثَّرنا أيضاً بنظرية التطور، واستعملناها في كتاباتِنا، ومن وراء كل ذلك اليهود، إنَّهم يحبون أن يُفسِدوا على الإنسانيَّة أخلاقها ودينها.
يتلخَّص في النهاية الحديث الذي أريده، إنَّه من أجل نهضة الأمم الإسلاميَّة يجب أن نأخذ بالعلم المادي إلى أقصى ما يُمكن أن نأخذ به في هذا الجانب المادي، أما الجانب الآخر: الروحي والاجتماعي فإنَّنا نأخذ بما رَسمه الله سبحانه وتعالى في الأخلاق، وما رسمه الله سبحانه وتعالى في التَّشريع، ونأخذ بما رَسَمَه اللهُ سبحانه وتعالى في العقائد، ونأخذ بما رسمه الله سبحانه وتعالى في نظام المجتمع.
لا يتأتى مُطلقاً لأمَّة مُسلمة أن تحيد عنه ولا تخلَّت عن رسالتها، وأعود فأُكرِّر ما قُلته إنَّ المبرِّر الوحيد لوجود الأمَّة الإسلاميَّة إنما هو هذه الرسالات. هذه الرسالة التي كُلِّفت بها فإذا تخلَّت عنها فإنها تصبح ولا رسالة لها. ومع كل ذلك فإنَّنا مُتفائلون بإذن الله.
وإنَّنا نرى على مَرِّ الزمن نوعاً من البعث الإسلامي، هذا البعث الإسلامي يَقوى إذاً بتكاتف هؤلاء الذين يَدعون إلى النهضة الإسلاميَّة الحقيقية، إذا تَكاتفوا وتعاونوا وأصبح تَربط بينهم وبين بعضهم الصلات الوثيقة، فإنَّ هذا البعث يَقوى بإذن الله تعالى، وكفى بربك هادياً ونصيراً. هذا وبالله التوفيق.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحلقة السابقة هــــنا
المصدر: (مجلة الجديد، 1 يوليو 1978 - العدد 156).
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول