المترجم: طلحة نعمت الندوي
أمير
المسلمين في ولايات بهار وأريسة وجارخند سابقًا
الشيخ
نظام الدين رحمه الله تعالى في ضوء حياته وخدماته
كان الشيخ السيد
نظام الدين بن السيد حسين الغياوي رحمه الله أحد كبار علماء الهند وروادها الذين
قاموا بدور رائد ملموس في الدفاع قضايا المسلمين في الهند، كان الشيخ ينتمي إلى
سلالة عريقة في المجد من السلالات الهاشمية الفاطمية التي استوطنت الهند، فقد نزح
آباؤه الكرام في ضمن الموجات المهاجرة من البيت العلوي من خراسان في عهد السلطان
علاء الدين الخلجي ملك الهند، وألقت عصاها بعد إقامتها لفترة في دهلي في بلدة بهار
شريف إحدى المدن القديمة العتيقة من بلاد الهند بمقربة من مدينة بتنة الكبيرة، وقد
كانت آنذاك إحدى قرارات الهند، ثم عهد إلى بعض رجالها القضاء في بلدة "شير
غاتي" من توابع مدينة"غيا" فانتقل مع أسرته إليها ونال بعض الإقطاعات
من الأمراء والملوك في القرى المجاورة فسكن بإحداها وهي قرية "كوري غات"
والتي تقع الآن بمديرية "جترا" من ولاية جارخند ولكنها أقرب منها إلى
"غيا".
أما نسبه فهو
الشيخ نظام الدين بن القاضي حسين بن القاضي شرف الدين بن القاضي عبدالقادر بن
القاضي صادق علي الذي كان من المجاهدين في الهند، وعالماً وحافظاً للقرآن الكريم
وقاضياً في منطقته، أنشاء محكمة شرعية فيها، وكان منصب القضاء متوارثاً في أسرته
من أسلافه الكرام، فاشتهر كل رجل منها بلقب القاضي إلى والده.
أما والده الشيخ
حسين القاضي رحمه الله تعالى فقد كان من خريجي الجامعة الشهيرة أزهر الهند دارالعلوم
بديوبند، وكان من أحبّ تلاميذ العلامة المحدث أنور شاه الكشميري رحمه الله تعالى،
ولكنه انتقل إلى جوار رحمة ربه في ريعان شبابه وقد كان الشيخ إذ ذاك طالبًا في دار
العلوم بديوبند.
ولد الشيخ السيد
نظام الدين رحمه الله في خؤولته في حارة "براني جيل" من حارات مدينة
"غيا" في 13/ مارس 1927م الموافق 27 من شهر رمضان سنة 1345هـ، وكان أصل
خؤولته من قرية كوني برالتابعة لبلدة نوادة من ولاية بهار، وكان من أقاربه هناك
أحد أشهر الزعماء في الهند القاضي أحمد حسين.
لم
يكد الشيخ يبلغ الثالث من سنه حتى توفيت والدته سنة 1930م وبعد ذلك بسنة بدأ دراسته الابتدائية ثم التحق بالمدرسة
الإمدادية بدربنكة وأكمل دراسته الثانوية وكان على وشك السفر إلى ديوبند لإكمال
دراسته بدار علومها الكبيرة إذ فارقه والده سنة 1941م، وفي السنة الآتية 1942م
التحق بدار العلوم بديوبند، وفي نفس السنة في يونيو تشرف بلقاء الشيخ الكبير أشرف
علي التهانوي رحمه الله تعالى الذي انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى في هذه السنة،
وكان الشيخ في أيام طلبه بديوبند من أبرز الطلبة حتى تمّ اختياره مسؤولاً عن جمعية
طلاب بهار فقام بها خير قيام، كما أصدر في تلك الأيام تحت رعاية هذه الجمعية مجلة
جدارية باسم البيان لتنشأ بها مواهبه الثقافية، وكذا بدأ قرض الشعر بالأردية، ولم
يزل كذلك إلى آخر حياته، ولكنّ الناس قلّما عرفوه كشاعر مع أنّ له قصائد علمية
رائعة وأدبية رائقة، وقد نال الشيخ بجدّه واجتهاده في الدروس وصلاحه ونبله شفقة
أساتذته، وكان منهم من كان يعرف والده فجلب كل ذلك اهتمامهم إليه وحظي بحبهم
وعنايتهم البالغة.
وكان
من ضمن أولئك الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله الذي كان يشفق على الشيخ شفقة مرب
حنون، وبايع الشيخ على يديه وتلقّى منه التربية الروحية ورجع إلى وطنه بعد تخرجه
من دارالعلوم بدعوات صالحة للشيخ حسين أحمد كانت هي خير زاد له في رحلته العلمية
والعملية الطويلة في حياته، وقد قدر الله له أن يكون قائد مسيرة هذه الرحلة
العلمية في ما بعد لبرهة من الزمن.
عاد الشيخ إلى
وطنه بعد إكمال دراسته وبدأ التدريس في مدرسة رياض العلوم بقرية ساتي التابعة
لمديرية"شمبارن" حتى عيّن فيها رئيس المدرسين، ولقد قضى الشيخ هناك
أربعة عشر عامًا يخدمها ويفيد الطلبة بها ويربيهم ويهتم بشؤون المدرسة.
ثمّ دعي الشيخ بعد
ذلك إلى مدرسة رشيد العلوم ببلدة جترا التي استفادت بعلمه وكفاءاته الإدارية، فقضى
هناك سنتين مديرًا لها، ولعلّ ذلك كان بعناية الشيخ الكبير عبد الرشيد الراني
ساكري الآروي من خلفاء الإمام محمد علي المونكيري الذي نال الشيخ من شفقته وعنايته
وتشرف بصحبته، ثم عثر الشيخ الجليل منة الله الرحماني ابن الإمام المونكيري على
مواهبه العلمية والإدارية وكفاءاته النادرة فدعاه إلى إدارة الإمارة الشرعية وجعله
مديرًا لها فكان خير مساعد للشيخ أمير الإمارة الشرعية منة الله الرحماني وخير ما
كان يعتمد عليه، تمتدّ فترة إدارته لتلك المؤسسة إلى نحو أربعين سنة.
فقد تولى إدارة
هذه المؤسسة سنة 1965م ودام على ذلك إلى أن تمّ اختياره كنائب لأمير الإمارة
الشرعية سنة 1991م، وقد شهدت هذه المؤسسة تحت قيادة اليشخ منة الله الرحماني تطورًا
هائلاً وتقدمًا ملموسًا، وكان للشيخ فيه أكبر دور وفضل كبير ومساعدة رائدة، فقد
كان ساعده الأيمن في إنجاز المخططات التي قدم الأمير فكرتها، وخلال هذه الفترة تمّ
تشكيل لجنة لكبار علماء الهند للحفاظ على الهوية الشخصية للمسلمين وصيانة الأحوال
الشخصية من أن يتناوله أحد بالتغيير بالقانون المدني الموحد، وتمّ كلّ ذلك يجهود
الشيخ منة الله الرحماني الجبارة وكفاحه، وكان الشيخ في ضمن من كرّسوا جهودهم
لأجلها حتى حاز ثقة كبار العلماء ولاسيّما الشيخين الجليلين الشيخ منة الله
الرحماني والشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمهما الله، فخلف الشيخ منة الله
الرحماني بعد وفاته واختاره الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي الأمين العام لهيئة
قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند، واستمرّ على هذا المنصب إلى آخر يوم من حياته
يهتمّ بقضايا المسلمين ويقدّم لها حلولاً وافية،وكذا نظر إليه الناس بعد وفاة
الأميرالشرعي الخامس الشيخ عبدالرحمن الدربنكوي ليتولى إمارة هذه المؤسسة ويكون
أميراً شرعياً في نظام الإمارة الشرعية النافذة في الولايات الثلاث،فتمّ اختياره
من قبل العلماء والوجهاء بالإجماع كأمير شرعي سادس لهذه المنطقة أي الولايات
الثلاث سنة 1997م الموافق 1417هـ، فبقي يخدم الأمة ويرأس مؤسستها ويديرها بحكمة
وأمانة إلى نحو عشرين سنة حتى كأنه كان قد أفنى نفسه فيها، فكانت شخصيته عبارة عن
هذه المؤسسة الدينية التي أسسها الشيخ الكبير أبوالمحاسن محمد سجاد البهاري رحمه
الله،فالإمارة الشرعية هي شبه حكومة في حكومة لفصل القضاء بين المسلمين والقيام
بالأمورالشرعية بإشراف أمير وبقضاء قاض شرعي ينصبه الأميرالشرعي عند عدم وجود دولة
شرعية في منطقة أو بلاد.
لقد كان الشيخ صاحب كفاءة عالية في التنظيم
الإداري مع الدقة والأمانة التي كان يتصف بها، وكان ذا بصيرة في الظروف السياسية
وتقديم الحلول لها، فقد أخبرني بنفسه عدة قصص لحسم النزاع في الاضطرابات الطائفية
والاعتداءات العرقية والعنصرية في ظروف حاسمة ولحظات حرجة،منها أنه دخل قرية كان
قد سكن بها وكان المفسدون الهندوس المتطرفون يشددون على رفع الأصنام والتجول بها
في طريق تمر بالمسجد وكان المسلمون قد عزموا على منعهم مما أدى إلى نزاع بينهم
فكادوا أن يهاجموا المسلمين وهم يدافعونهم فيكون مقتلة عظيمة فجاء بين المسلمين وقال
لهم إذا مروا بالأصنام من طريق المسجد فلا بأس به والأصل هو حقن الدماء حتى قبلوا
رأيه ولم يحدث شيئ، فكان الشيخ قائداً حكيماً، رزق من الحكمة والبصيرة نصيباً كان
يقضي به.
وعلى كل فقد كان الشيخ من العلماء الأفاضل
والزعماء الذين تركوا لهم بصمات ساطعة على جدار التاريخ وذكريات طيبة في تلامذته
وأحبته،وكان عالماً ربانيا بسيطا في معشيته ذا تودد وإخاء مع صغاره وأتباعه، ذكر
لي بعض تلامدته الذي درس عليه أنه ناصحا لتلامذته يبذل لهم شفقته وعتابه على
الإغفال والإهمال، وذكر أنه لم يكن يهتم بالقراءة فنصحه الشيخ عدة مرات ثم قام في
صلاة التهجد يدعو له إلى نحو أسبوع حتى يسر الله له القراءة واشتغل بالدراسة وأقبل
عليها كاملاً بدعوة الشيخ، وكان أميناً عاماً للمؤسسات الدينية والملية في الهند
وأميناً بمعنى الكلمة،قد حاول أن يحفظ تراث الأمة ومخزونات المؤسسات حسب ما أمكن،
كما كان مع تضلعه في العلوم ولا سيما العلوم العربية شاعراً مجيداً في الأردية،كتب
الكثير من المنظومات والمدائح النبوية.
و من أعماله كذلك
مدرسة في قريته كوري غات التابعة لمدينة غيا، أنشأها وعهد بها إلى نجله الكريم
الأستاذ عبدالواحد الندوي ليديرها ويتولى شؤونها فهو لا يزال يشرف عليها.
ونظراً إلى خدماته
وأعماله منح عدة تكريمات من قبل بعض المؤسسات العلمية والملية في الهند، كما اختير
عضواً لبعض المؤسسات الدينية في البلاد وغيرها، فقد كان من أعضاء رابطة العالم
الإسلامي بمكة المكرمة كذلك، وشارك في بعض جلساتها.
يقول عنه الشيخ
سعيدالأعظمي الندوي "لا ريب أنّ الشيخ نظام الدين فقيد العلم والدين والدعوة
والفكر الإسلامي، وكانت حياته مثالاً للعلماء والدعاة والعاملين في مجال الفقه
الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية للمسلمين، بلغ من العمر نحو تسعين عاماً، فلم
يدخر وسعاً في القيام بخدمة العلم والدين بأوسع معانيها، وشغل حياته كلها في إبراز
شخصية الدين وبناء المجتمع الإسلامي وضحى في سبيل ذلك بالنفس والنفائس فأكرمه الله
تعالى بالتواضع والورع والإخلاص لله تعالى والاتصال به، ووفقه الله تعالى للجمع
بين العلم والدين والعقيدة والعمل، فكان ذكياً في تفهم القضايا المستجدة والمشكلات
العامة عن الحكومة في هذه البلاد".[1]
وجاء عنه في صحيفة
الر ائد "وكان أكبر همه الدعوة إلى الله وتصفية العقيدة مما ينافيها، واتباع
ما جاء عن السلف، وكان متسامحاً سهلاً هيناً ليناً يكره العنف ويدعو بالحكمة
والموعظة الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن،ويؤمن بالتفاهم والحوار مع الآخر، أياً كان
خلافه في السياسة أوالفكر أو المنهج".[2]
توفي الشيخ بعد
حياة حافلة بالأعمال والخدمات في نحو
تسعين من عمره في 3 محرم الحرام سنة 1437هـ المصادف 17من شهر أكتوبر سنة 2015م يوم
السبت،وصلى عليه خليفته الشيخ ولي الرحماني في اليوم القادم بعد صلاة الظهر في
جميع حاشد من المسلمين، ودفن في مقبرة حاج الحرمين بمقربة من مقرّ الإمارة
الشرعية.
ذات صلة
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول