إدلب النصر وما بعد النصر مسئوليات متراكبة

 

يعيش السوريون الأحرار جميعًا هذه الأيام فرحة النصر الذي منّ الله به على " إدلب " وأهلها في توقيت متزامن مع نصر مقترن منّ الله به على " بصرى الشام " وأهلها فعمت الفرحة سورية وثوارها من الجنوب إلى الشمال ..

ومع الاعتراف لله سبحانه وتعالى القادر المقتدر بالفضل والمنّة بما تحقق ويتحقق للسوريين من صبر ومن نصر ؛ فإن المقام يقتضي بعدُ ..أن نشيد ببطولات الأبطال ، وصمود الصامدين ، وشجاعة الشجعان من صناع النصر وحاملي همه في عقولهم وقلوبهم وعلى سواعدهم ، الذين ما فتئوا يروون شجرته دما عبيطا من رجال (( صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ..)) ...

فحمدا لله ثم حمداً....حمداً ...

ثم شكرًا وألف شكر لكتائب الأبطال الأحرار الذين اتحدت قلوبهم وتكاتفت سواعدهم فحققوا البشرى التي تتطلع إليها كل ذرة تراب ، وكل  حبة رمل في سورية الحرة الأبية . والتهنئة مزْجاة لأبناء مدينة إدلب على ما أولى الله من نِعم ، وتفضَّل به من نصر عزيز وفتح مبين ..

هذا عن النصر وعمَّا جنى النصل من إنجازات أخذ  بفضلها "ماثول " الطاغية الجاثم على صدر إدلب وكل مدن الشام بالمعاول التي أتت من قبل على كل الطغاة ...

أما ما بعد النصر .. سواء في إدلب الحبيبة أو في غيرها حيث يكرم الله هذه الثورة وهذا الشعب الحر الأبي الصابر بنصر ؛ فإنَّ الحديث ذو شجون ، تبقى فيها مناطات الموقف مترددة حائرة لا يدري امرؤ عاقل إلى أين يتوجَّه بها ، ولا إلى من يوجِّهها .. في مرحلة من عمر الثورة طمح فيها الطامحون ، وغابت فيها متعلقات المسئولية ، فإذا الحال فوضى ، وقديما قال الشاعر العربي :

 

 لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهمُ ...ولا سراة إذا جهالهم سادوا

 

وأول ما يطالعنا من مسئوليات النصر في إدلب الحبيبة: مسئولية الحفاظ على النصر . ومسئولية تطوير الهجوم فيما بعد النصر ، وتطوير الهجوم ، وملاحقة فلّ العدو ، قبل أن يعيد ترتيب الصفوف، وهو فن من فنون الحفاظ على النصر ، وكذا الاستفادة من قوة الدفع الأولية التي حققها النصر فامتلأت بها القلوب حمية واندفاعا ...

النصر في المفهوم الاستراتيجي ليس محطة استراحة ، وإنما هو محطة انطلاقة من نصر إلى نصر ، حتى يتمِّم الله النعمة . ( قال جبريل لرسول الله يوم الأحزاب : أوضعتم السلاح ؟! فإن الملائكة لم تضع السلاح ..فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة ...) مسئولية تطوير الهجوم والاستثمار في النصر هو بعض الاستراتيجية في الحفاظ على النصر . وهو مطلب لا يدري امرؤ إلى من يتوجه به ، وفي عنق من يعلقه ، وقد أدى المقاتلون الأبطال على الأرض ما عليهم ...

وثاني ما يطالعنا من مسئولية النصر في إدلب الحبيبة : ( حسن إدارة ) يفي لأبناء المدينة الذين قدَّموا وضحوا وصبروا بعضَ الأمل الذي أمَّلوا ، ويفسر بعض الحلم الذي حلموا . ونظن أنَّ السير في هذا الطريق جاد في تشكيل إدارة محلية مكافئة للحلم والأمل تضع عن الناس إصر زبانية بشار الأسد ، وتقر في المدينة العدل مع الرحمة ، والكفاية حسب القدرة ، لا تنتقم ولا تظلم ولا تهضم وإنما تشعر كل أبناء المدينة أنهم تحت مظلة عدل الثورة ووفاء الثوار سواء ...

وثالث ما يستلزمه نصرنا العزيز المؤزر في إدلب الحبيبة :حماية المدينة إنسانها وعمرانها من بوائق ردات فعل عصابات الإجرام . وهو استحقاق له أبعاده العسكرية والإنسانية والمدنية والسياسية ...

إن صمت المجتمع الدولي ( المتواطئ ) مع جريمة إبادة السوريين بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا بما فيها قصف المدن الآمنة والأحياء السكنية بالطيران الحربي والقنابل الفراغية والعنقودية والغازات السامة .. إن كل هذا يجب أن يظل موضع تنديد وإدانة واستنكار ...

سيسجل التاريخ الإنساني ما سيبقى محفورًا في قلوب كل السوريين الأحرار ، أنه عندما كان بشار الأسد يرتكب جرائمه الكبرى بحق ملايين السوريين قتلا وتهجيرا وتدميرا ؛ كان البعض يدعم المجرم والجريمة ، وكان آخرون يغضون الطرف استبطانا لرضى بئيس لا يجرؤون على الإفصاح المباشر عنه ، زعماء وقادة دول وشعوب ومثقفون يلوكون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كلاما كالعصف المأكول   ...

إدلب ما بعد النصر ، تمَّم الله عليها فرحة النصر، بحاجة إلى الكثير ، وأول ما تحتاجه قلب وعقل لقائد قوي بَر رحيم  ، ولكتائب من الأيدي المتوضئة تتشابك لأداء الأمانة والمضي على الطريق  ..

اللهم احفظ سورية إنسانها وعمرانها وتمم علينا نصر إدلب بنصر عزيز مؤزر يشفي القرح ويلأم الجراح  ، ويضع شعبنا على المحجة البيضاء يستوي عليها الليل والنهار ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين