إسرائيل والأسرى المصريون (2)

الشهداء والأسرى

ما عدد الشهداء المصريين فى حربى (1956م) و(1967م)؟

فى تقرير لوزارة الخارجية المصرية أن عدد الشهداء من الجنود والضباط المصريين فى الحربين وصل إلى 65 ألف شهيد.. وقد تم الوصول إلى هذا الرقم من خلال 1000 وثيقة مكتوبة و400 شهادة حية لقادة إسرائيليين ومسئولين أمريكيين وأوروبيين..

ومن أبرز السفاحين الذين شاركوا فى قتل هذا العدد الهائل من الجنود المصريين الرئيس الإسرائيلى الأسبق الجنرال (عيزرا وايزمان) الذى كان قائداً لسلاح الطيران الإسرائيلى في تلك الحرب والمسئول عن قَتْل ما يقرب من عشرين ألف جندى.. ووزير الدفاع الأسبق (موشيه ديان) الذى كان القاسم المشترك فى كل عمليات القتل.. ووزير الخارجية الأسبق (ديفيد ليفى) ورئيس الوزراء الأسبق (إسحاق رابين) ورئيس الوزراء الأسبق الذى يتولى وزارة الدفاع حالياً (إيهود باراك) الذى قتل ألفى جندى مصرى فى 10 دقائق فقط.. ووزير البنى التحتية الحالى (بنيامين بن اليعازر) قائد كتيبة (شاكيد) الذى اعترف بقتله الأسرى العزل.. ثم أخيراً السفاح (آرييل شارون) رئيس الوزراء السابق ووزير الدفاع الأسبق الذى يعيش الآن فى غيبوبة ما بين الحياة والموت منذ ما يقرب من عامين.

فما عدد الأسرى والمفقودين من الجنود والضباط المصريين فى حرب عام (1967م)؟

يقدر إجمالى عدد الأسرى والمفقودين الذين لم يعودوا من ميدان القتال إلى ديارهم بعد الحرب ولم يتم تسجيل أسمائهم في قوائم الشهداء أثناء القتال بحوالى عشرة آلاف ضابط وجندى.. وقد تمت عملية تبادل للأسرى بين مصر وإسرائيل بعد الحرب بإشراف الصليب الأحمر الدولى وذلك فى الفترة من نوفمبر (1967م) إلى يناير (1968م).. وكان عدد الأسرى المصريين العائدين للوطن 4338 أسير، ثم عاد بعد ذلك حوالى 1700 مفقود كل منهم بوسيلته الخاصة متسللين عبر سيناء.. فيكون إجمالى العائدين حوالى 5000 مصرى.. أما الخمسة آلاف الآخرين فهم الذين تم قتلهم غيلة وغدراً على أيدى الإسرائيليين بعد أسرهم أو ممن تاهوا فى الصحراء فماتوا جوعاً وعطشاً أو أخذتهم إسرائيل إلى داخلها لانتزاع أعضائهم والتجارة بها.

الضحايا والشهود

فكيف تم قتل الأسرى من الضباط والجنود المصريين؟ وما تفاصيل المذابح التى وقعت لهم؟

إن تفاصيل ما وقع للأسرى المصريين من مذابح ومجازر لا يمكن أن تؤخذ إلا من أفواه شهود عيان حضروا هذه المجازر أو كانوا من الناجين منها وعلى رأس هؤلاء الشهود بعض الضباط والجنود المصريين الذين وقعوا فى الأسر ثم أنجاهم الله.. وبعض الأعراب من البدو فى سيناء الذين شاركوا فى دفن الأسرى الشهداء فى رمال الصحراء.. ومن هؤلاء الشهود:

1- الجندى/ شعبان عبد الستار: من سلاح المشاة الكتيبة (18) اللواء الثالث فى منطقة (رفح) شمال سيناء.. وقع فى الأسر بعد ثلاثة أيام من نشوب حرب (1956م).. يقول: أثناء الأسر كان الجنود الإسرائيليون يفقأون عيون بعض الأسرى المصريين لإرهابنا.. وكانوا يخلعون أظافر الجنود بطريقة وحشية ومن يصرخ منهم كانوا يطلقون عليه الرصاص أو يطعنونه بالسونكى فيسقط قتيلاً على الفور.. ويضيف أنه استطاع الهرب والذهاب إلى مستشفى العريش.. ثم يستطرد فيقول: وفى صباح اليوم التالى فوجئنا بمكبر للصوت ينادى أمام باب المستشفى يطلب من جميع الجنود المصريين الخروج إلى ساحة المستشفى لنقلهم بسيارات الصليب الأحمر إلى القاهرة.. وعندما خرجنا وجدنا سيارتين عسكريتين وإحدى المجندات الإسرائيليات تمسك مكبر الصوت وتردد نداءً إنسانياً يقول: نظراً لعدم وجود إمكانيات بالمستشفى فقد تقرر نقل جميع المصابين والجرحى إلى القاهرة".. فتسابق الجنود المصريون للخروج من عنابرهم وقبل أن أخرج إلى الساحة فوجئت بعدة مجندات إسرائيليات يفتحن نيران مدافعهن الرشاشة على مئات الجنود الجرحى والمصابين فقتلوهم جميعاً فى الحال وسط صرخات مدوية للأسرى العاجزين عن الفرار وضحكات شيطانية للإسرائيليات..

2- الجندى/ أمين عبد الرحمن جمعة: كان جندياً فى سلاح المشاة سرية (1) كتيبة (502) اللواء (118) وقع فى الأسر يوم 6 يونيو عام (1967م) يقول: بعد أن حاصر الإسرائيليون اللواء واستسلم أفراده اختلط الضباط بالجنود بعد أن نزعوا رتبهم العسكرية حتى لا يتعرف عليهم الإسرائيليون.. ولكن اليهود كانوا على خبثٍ ودهاء فأمرونا بخلع ملابسنا العسكرية.. ومن الملابس الداخلية استطاعوا أن يميزوا بين الضباط والجنود.. ثم ابتكروا حيلة شيطانية لاصطياد من استطاع التخفى من الضباط فحرموا معسكر الاعتقال بالكامل من الماء لمدة ثلاثة أيام ثم أحضروا فنطاساً مملوءً بالمياه وبه حنفيات للشرب.. وما كاد الجميع يرونه حتى اندفعوا نحوه فنادى الإسرائيليون: الضباط يشربون أولا.. وبالفعل انطلت الحيلة على الضباط المصريين وانطلقوا باتجاه الفنطاس.. وما إن التقت أفواههم بصنابير المياه حتى انهمر عليهم سيل من الرصاص من المدافع الرشاشة فأبيدوا جميعاً أمام أعين الجنود واستشهد أكثر من 300 ضابط مصرى فى ثوان معدودة.. ثم يكمل الجندى فيقول: كان الرعب يتملكنا والماء المنهمر يغسل دماء الضباط الشهداء وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة أمام أعيننا.. وبذلك تخلص الإسرائيليون من الضباط.. وفى اليوم التالى فرزوا ضباط الصف فأخذوهم وربطوا أيديهم إلى ظهورهم ومددوهم على الأرض وجاءت دبابة مرت فوق رؤوسهم وأجسادهم جيئة وذهاباً عدة مرات حتى هرستها  مع الرمال وتحولت إلى عجينة من الأشلاء ودماء الشهداء فى منظر بشع تقشعر له الجلود.. وبعد عدة أيام فوجئنا بالإسرائيليين ينادون على الجنود المصريين ويطلبون منهم كتابة أسمائهم لتسليمها إلى الصليب الأحمر الدولى.. وماكاد بعض الجنود يمسكون الورق والأقلام حتى انهمر عليهم رصاص قناصةٍ كانوا موجودين فوق أبراج الحراسة بالمعسكر يرقبون الجميع.. واكتشفنا أنهم فعلوا ذلك لقتل كل من يجيد القراءة والكتابة.

3- الأسير/ محمد عبد التواب عثمان: وقع فى الأسر بتاريخ 6 يونيو عام (1967م) بالقرب من مدينة العريش.. يقول: تم تجميعنا فى مطار العريش يوم 8 يونيو وأمرونا بالنوم داخل حظائر الطائرات بعضنا فوق بعض.. وفى صباح اليوم التالى توفى منا 70 أسيراً ماتوا جميعاً من الاختناق وتم دفنهم داخل المطار بعد ردمهم بالجير الحى.. ثم أمرونا بجمع حوالى 400 أسير من الجنود المصابين فشحنوهم فى سيارات الجيش الإسرائيلى وطلبوا منا أن ندفنهم وهم أحياء فى مقابر حفرناها لهم وأن نردمهم أيضاً بالجير.. بعد ذلك انتقلنا إلى معسكر (بئر سبع) وهناك قام الجنود الإسرائيليون يوم 25 يونيو بوضع حوالى 100 ضابط مصرى على حائط ضرب النار وهم رافعو الأيدى وقد عصبت أعينهم بقطع من القماش الأسود وأوقفوهم صفا واحداً ثم أطلقوا عليهم الرصاص فقتلوهم فى الحال ثم أرغمونا نحن المدنيين على أن ندفنهم دون أية أسماء أو علامات مميزة.

4- الرقيب/ محمد سيد الفرماوى: شارك فى حرب (1967م).. بعد 16 يوماً من الحصار والمطاردات وقع فى الأسر ونقل إلى معسكر خاص بالأسرى.. يقول: فى الصباح الباكر من كل يوم كنا نقف فى طابور تمام ويمر قائد المعسكر بين صفوفنا ويختار عشرة من الأسرى يشير إليهم بأصابعه بطريقة عشوائية فيندفع الجنود الإسرائيليون إليهم ويخرجونهم من الطابور ويوقفونهم صفا ثم يطلقون الرصاص عليهم.. وبعد قتلهم تقوم عربة مدرعة بسحبهم على الأرض إلى خارج المعسكر فتلقى بهم فى أقرب مكان ثم تعود خالية.. وبعد 45 يوم فى ذلك المعتقل لقى 450 جندياً وضابطاً من الأسرى مصرعهم ولم يبق إلا 200 أسير من إجمالى 650 كان عدد الأسرى فى بداية المعتقل.

- هذه شهادات لبعض الأسرى الأحياء من الجنود المصريين الذين شاركوا فى حربى (1956م)، (1957م) حصلت مجلة (المجتمع) الكويتية على بعضها من واقع سجلات (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان) التى وضعتها فى تقرير تقدمت به للجهات الرسمية العربية والدولية تحت عنوان: (الجريمة والعقاب.. أعيدوا حقوق الأسرى وحاكموا القتلة).. ومن واقع اعترافاتهم الحية المباشرة على هامش مؤثر صحفى  عقده (حزب مصر العربى الاشتراكى) بالقاهرة يوم الخميس 8 / 3 / (2007م).

وهل هناك شهادات أخرى لشهود عيان غير الأسرى المصريين؟

نعم.. وهى لعدد من المصريين البدو الذين يعيشون في صحراء سيناء.. والذين عايشوا هذه الأحداث الدامية ووقائع القتل والغدر المأساوية لحظة بلحظة.. ومن هذه الشهادات:

جريدة (الأهرام) المصرية: بتاريخ 20 / 9 / (1995م) جاء بها أنها التقت بالعديد من الأهالى بمناطق مختلفة فى شمال سيناء التى كانت مسرحاً للعمليات الحربية عام (1967م) وفى منطقة (أبو صقل) على ساحل البحر مباشرة عثرت على مقبرة جماعية لمئات الأسرى يقص حكايتها شهود عيان منهم:

الحاج/ رشاد خليل الحمصانى: من سكان المنطقة ويبلغ من العمر 70 عاماً يقول: كان بالقرب من مكاننا هذا معسكر للجيش المصرى به أكثر من ألف جندى وضابط.. وبعد نشوب القتال فى 5 يونيو هاجمت قوات إسرائيلية المعسكر وبعد معركة تدخل فيها الطيران الإسرائيلى تم أسر جميع الجنود والضباط بالموقع وتم توثيقهم بالحبال من الخلف وعصب أعينهم ثم قام الإسرائيليون بجمع عشرات المواطنين المدنيين من البدو بالمنطقة وكنت أنا واحداً منهم وأوقفونا فى طابور بجوار المعسكر لنرى بأعيننا الجنود المصريين الأسرى وهم يُعْدَمون غيلة وغدراً.. ثم جاءت سيارة جيب يعلوها مدفع رشاش تمسك به مجندة إسرائيلية وقفت أمام الجنود وأخذت تنظر إليهم وساد السكون الجميع.. وأطبق عليهم صمت رهيب.. وفجأة انطلقت الرصاصات المتلاحقة من المدفع الرشاش تجاه الأسرى العزل فسقط منهم المئات شهداء على الفور فى مشهد بشع ومريع.. بعد ذلك أمرنا الإسرائيليون بدفن الجثث وهددونا بالقتل إن لم يتم ذلك قبل غروب الشمس.. وبين البكاء وقراءة القرآن والتكبير بصوت عال تمكنا من حفر بعض القبور وقمنا بدفنهم بصورة جماعية فى مكان مقبرة (أبو صقل) الحالية.. وقد طلبنا من الجنود الإسرائيليين أن نصلى على الشهداء فرفضوا.. ثم يكمل الحاج رشاد فيقول فى حزن عميق: كان من بيننا رجل وابنه رفضا المشاركة فى الحفر فأطلق عليهمـا الإسرائيليون وابلاً من الرصاص فسقطا شهيدين فدفناهما مع الشهداء.

صحيفة (الجمهورية) المصرية: أجرت فى 12 / 10 / (1995م) تحقيقا صحفياً مع الحاج/ حسن حسين المالح 65 عاماً ويسكن بمنطقة النخيل بالقرب من البحر فقالت  على لسانه: كان الجنود الإسرائيليون يجمعون الأسرى المصريين فى هذه المنطقة ويوهمونهم أنهم سينقلونهم فى أتوبيسات للتوجه إلى منطقة القناة ويأمرونهم بالوقوف صفوفاً ووجوههم نحو البحر ثم يطلقون عليهم الرصاص ويتركونهم قتلى ويغادرون المكان.. وتوالت نفس العملية فى عدة أفواج من الأسرى حتى بلغ عددهم حوالى 300 أسير.. ثم اتجه الحاج/ حسن إلى مواقع دفن الجنود حيث تم الحفر واستخراج بعض الجثث والعظام والجماجم للأسرى الشهداء.. بعد ذلك ظل الرجل ومعه أهالى المنطقة يبحثون عن جثث وأشلاء الجنود المصريين فيقومون بدفنها.. إلا أنه بفعل الرياح ظهرت بعض الجثث والعظام والجماجم كما جرفت السيول أعداداً كبيرة منها إلى البحر.

صحيفة (الوفد) المصرية: كتبت بتاريخ 26 / 7 / 2006م أن السلطات المصرية اكتشفت مقبرة جماعية جديدة للأسرى المصريين فى حرب (1967م) فى منطقة     (رأس سدر) بجنوب سيناء أثناء قيام بعض العمال بالحفر لإقامة بعض المبانى. وأضافت الصحيفة أن العمال فوجئوا بظهور عظام آدمية وسط الرمال ثم تبين وجود جماجم وبقايا ملابس عسكرية لجنود مصريين قتلهم الإسرائيليون عام (1967م).. وأسفر التنقيب عن العثور على رفات 52 جندياً مصريا وبعض المقتنيات الخاصة بهم منها رسالة من أحد الجنود كتبها لأسرته قبل نشوب الحرب مباشرة ولم تُتَح له الفرصة لإرسالها لهم.

هذه شهادات بعض الضباط والجنود المصريين الذين نجوا من الموت فى الأسر وبعض سكان سيناء الذين حضروا هذه المجازر والمذابح.. فهل هناك اعترافات من جنود وضباط العدو الإسرائيلى القتلة الذين ارتكبوا تلك المذابح؟

نعم.. ويأتى على رأس تلك الاعترافات ذلك الفيلم الوثائقى الذى بثه التلفاز الإسرائيلى على شاشة القناة الأولى مساء يوم 25 فبراير عام (2007م) والمسمى وحدة أو كتيبة (شاكيد) والذى يُعَدُّ اعترافاً دامغاً بالصوت والصورة لواحد من أقسى القتلة والسفاحين اليهود هو (بنيامين بن اليعازر) وزير البنى التحتية الإسرائيلى حالياً والذى كان قائداً لتلك الكتيبة فى حرب (1967م) ومعه مجموعة من ضباطه وجنوده اعترفوا جميعاً بقتلهم الأسرى المصريين وتفاخروا بذكر تفاصيل قتلهم وذبحهم.

المصدر : مجلة التبيان ـ العدد السادس والأربعين

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين