إسرائيل والأسرى المصريون -4-

 

مصير الأسرى المصريين

لقي عدد كبير من الأسرى المصريين مصيراً داخل إسرائيل أشد إيلاماً وقسوة من القتل الذي لقيه إخوانهم في ميدان المعركة في صحراء سيناء.. فبعد أن فوجئ الإسرائيليون بذلك العدد الهائل من الأسرى الذي لم يتوقعوه على الإطلاق.. شَكَّل ذلك مجالا خصباً للتفكير في كيفية الاستفادة منهم بأشد السبل شيطانيةً ودهاءً.. وكان الشيطان قرينهم في التفكير.. فقد استقر فكرهم الخبيث على انتزاع أعضائهم وبيعها.. وبالفعل شكل الأسرى المصريون مستودعاً هائلاً لقطع الغيار البشرية باعها اليهود ليس داخل إسرائيل فقط وإنما امتد ذلك إلى أسواق أوروبا وأمريكا، وجنى السماسرة اليهود أرباحاً خيالية من تجارة أعضاء الأسرى المصريين..

كذلك فقد تفتق ذهنهم الخبيث عن سبيل آخر من سبل الشيطان للاستفادة من ذلك العدد الكبير من الأسرى وهو استخدامهم في كليات الطب لتعليم الطلبة والأطباء المبتدئين وتدريبهم على إجراء العمليات الجراحية وتشريح ودراسة جسم الإنسان دون خوف من عقاب أو رادع من أخلاق.. وكم من الأسرى المصريين ماتوا بعد أن شُقت بطونهم ومُزقت أجسادهم بمشارط طلبة أغرار أو أطباء مبتدئين غيلة وغدراً..

كذلك فقد تم استخدام عدد كبير من الأسرى كحيوانات للتجارب في المعامل ومراكز الأبحاث الإسرائيلية لتجربة الأسلحة البيولوجية والكيميائية عليهم ودراسة الآثار القاتلة والمميتة لها على البشر.. وكم من العشرات بل المئات من الأسرى تم حقنهم بالميكروبات والفيروسات القاتلة أو تعريضهم لاستنشاق الغازات السامة لدراسة الآثار الناجمة عنها على جسد الإنسان فتعرضوا لآلام رهيبة وتشنجات قاتلة واختناقات وأنزفة دامية قبل أن يلفظوا أنفاسهم في عذابٍ لا يطاق.. أما البعض الآخر فقد كان أوفر حظاً منهم وبمجرد حقنهم بالميكروبات والفيروسات أو استنشاقهم للغازات ماتوا على الفور ولم يمروا بتلك الآلام الرهيبة والمعاناة القاتلة.

وأخيراً وإتماماً للفائدة الشيطانية فإن مصاصي الدماء لم يغفلوا عن أن يمتصوا دماء أبنائنا الأسرى من عروقهم إلى آخر قطرة حتى يستفيدوا بها في إنقاذ حياة اليهود الذين يصابون في حوادث أو كوارث.

فواحسرتاه على أبناء مصر وجنودها الذين تم اغتيالهم والغدر بهم مرتين.. مرة بإلقائهم في ميدان المعركة بلا قيادة ولا تخطيط ولا سلاح.. ومرة بشق بطونهم وانتزاع أعضائهم وهم أحياء بأيدي الإسرائيليين.

الأمر المثير

وكان الأمر المثير الذي قاد إلى الكشف عن هذه الجرائم البشعة هو أن بعض القادة العسكريين كانوا يطلبون دائماً إرسال مسئولين وخبراء وأطباء إلى مواقعهم العسكرية بإلحاح بادعاء  محاولتهم وقف انتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن كثرة جثث الجنود المصريين.. أما الحقيقة فلم يكن الهدف من ذلك الطلب إلا الاتجار في أعضاء الأسرى المصريين وتشريح جثثهم وإرسالها إلى كليات الطب والمراكز البحثية والعلمية المختلفة كي يمارس الطلبة علم التشريح والدراسة عليها.

ومن هؤلاء الذين اكتشفوا هذه الحقيقة المؤرخ العسكرى الشهير (ميليتشيان أوري) الذي كان شاهدا على العديد من تلك الوقائع في ساحات المعارك عامي (1956م) و(1967م).. فقد اعترف بأن هؤلاء الخبراء والأطباء كانوا يمارسون عملهم بصورة مثيرة للشك والريبة حتى اكتشف بالمصادفة أنهم أعضاء في (مافيا) لتهريب الأعضاء البشرية التي كانوا ينتزعونها من الأسرى ويبيعونها في أسواق إسرائيل وأوروبا وأمريكا.. ويضيف (أورى) إنه شاهد بنفسه العديد من عمليات الاختطاف القسري للأسرى وهم أحياء والذهاب بهم إلي داخل إسرائيل من أجل إجراء العديد من التجارب العلمية والعسكرية باعتبارهم حيوانات للتجارب.

وهل توقف مصير الأسرى المصريين عند القتل غدراً أو انتزاع أعضائهم وبيعها أو استخدامهم حيوانات تجارب أو امتصاص دمائهم؟

للأسف الشديد الإجابة لا.. فلقد كان هناك مصير أكثر إيلاماً وأشد وقعاً على النفس البشرية تعرض له العشرات من الأسرى المصريين.. فقد قرر الإسرائيليون أن يحولوهم إلى جواسيس يطلقون سراحهم عند تبادل الأسرى فيعودوا إلى مصر لكي يكونوا عيوناً لهم على أبناء وطنهم وإخوانهم.. فقد استغلت المخابرات الإسرائيلية حالات الفزع والرعب التي انتابت الكثير من الأسرى في حرب (1967م) بعد ما رأوه من أهوال وفظائع فعملت على تجنيد بعضهم.. وكانت لهم أساليب شيطانية في ذلك.. فكانت البداية هي اختيار الشخص المناسب وهو أشد الأسرى فزعاً ورعباً وأكثرهم خوفاً من الموت ورغبة في الحياة وطلباً للنجاة بأي ثمن.. والخطوة التالية هي إرهابه لأقصى درجة يستطيع أن يتحملها ، وذلك بقتل زملائه أمام عينيه والتمثيل بجثثهم وتعذيبهم أمامه بطرق بشعة فيصيبه الفزع والرعب من أن يصيبه مثل ما أصابهم..

وفى النهاية يصل الجاسوس المنتظر إلى مرحلة يتحطم فيها كل ما لديه من مقاومة ويفقد الثقة في كل قياداته السياسية والعسكرية التي أوصلته إلى تلك الحال ولا يحمل لهم إلا كل حقدٍ وكراهية.. وفى تلك المرحلة يصل الجاسوس المنتظر إلى اليقين بأن العدو الإسرائيلي هو الأقوى والأشجع والأبرع ، وأنه لا فائدة على الإطلاق من معاداته ومحاربته.. وأن مجرد التفكير في التصدي له هو ضرب من الجنون والانتحار.. حينئذ تبدأ مكافأته بالمال والمخدرات والنساء مع وعد باستمرار المكافأة ما استمر على إخلاصه لإسرائيل والتعاون مع مخابراتها بعد عودته إلى وطنه.. وإلا فإنه يعلم المصير الذي ينتظره إذا نكص على عقبيه.

الحلقة السابقة هـــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين