إسرائيل والأسرى المصريون(5)

 

هل أُتيح لمصر فرصة لاستعادة أسراها؟ وماذا فعلت بها؟

نعم.. لقد أتيحت لمصر فرصة كبيرة لاستعادة أسراها ولكنها إما أنها غفلت عنهم فيها أو أن اليهود كانوا أبرع منها في التفاوض فلم تصل مصر إلى براعة (حزب الله) في التفاوض ولا إلى إصرار (حماس) على تحرير ألف أسير مقابل جندي إسرائيلي واحد.. وكانت تلك الفرصة في صفقة إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي (عزام عزام).

وما قصة ذلك الجاسوس؟

هو جاسوس إسرائيلي زرعته إسرائيل داخل مصر واستطاعت المخابرات المصرية العريقة أن توقع به وتقبض عليه وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً.. وقد حاولت إسرائيل المستحيل لإطلاق سراحه ولكنها فشلت في ذلك. وكان ذلك في عام (1996م) وفى أغسطس عام (2004م) قبضت إسرائيل على ستة طلاب مصريين حاولوا اختراق الحدود والوصول إلي غزة تضامناً مع الانتفاضة الفلسطينية واتهمتهم بالإرهاب وقدمتهم للمحاكمة.. وعندما طلبت مصر من إسرائيل الإفراج عن هؤلاء الطلاب طلبت إسرائيل في المقابل الإفراج عن الجاسوس.. وبالفعل قبلت مصر الصفقة إنقاذا لمستقبل هؤلاء الطلاب.. ولكنها في الوقت نفسه غفلت عن أو تغافلت وضيعت فرصة ثمينة بأن تشمل تلك الصفقة جميع الأسرى المصريين في سجون إسرائيل.. ولو كانت مصر قد فعلت ذلك لاضطرت إسرائيل للاستجابة لما هو معروف عنها من الاهتمام الشديد باسترداد أسراها لدى الآخرين مهما دفعت مقابلهم من ثمن.. ولو كانت مصر وضعت تجارب (حزب الله) و(حماس) في التفاوض مع إسرائيل نصب عينيها لكان أبناؤنا وأحباؤنا الأسرى المصريون قد عادوا إلى أرض الوطن.

تخاذل المسلمين

إذا كان هذا حال اليهود وتقديرهم لقيمة الفرد اليهودي الواحد.. فكيف نقارن ذلك بالصمت والسكوت على قتل أكثر من خمسة آلاف أسير مصري عزل من السلاح في حرب  (1967م)؟

الحقيقة أن احترام قيمة الفرد ومكانته حياً وميتا عند المسلمين ليست صفة غريبة عنهم ولا هي أقل مما عند اليهود.. وإنما هم مغيبون عنها بسبب عوامل كثيرة ومعقدة يلعب فيها أعداء المسلمين دوراً هاماً وبارزاً ، وذلك لغرض محدد هو أن يخذل المسلم أخاه المسلم ولا يسارع إلى نجدته إذا استنجد به ولا  إلى نصرته إذا استنصره.. وبذلك يتحقق لأعداء المسلمين بث الفرقة والوقيعة بينهم وإضعاف شوكتهم والتمكن منهم فرادى.

والحقيقة أيضاً أن نصرة المسلم لأخيه المسلم اعتبرها الإسلام عنصراً من عناصر الأخوة الإسلامية ومن صميم الإيمان ، وقد حث الله سبحانه وتعالى عليها فقال في كتابه الكريم: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهُا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ نَصِيراً) [النساء: 75] لكننا للأسف الشديد لا نرى اليوم هذه الركيزة الإيمانية في أخوة الإسلام وتحرير الأسرى ونجدة الملهوف.. بل كثيراً ما تنقلب الأحوال وبدلاً من قيام المسلمين بنجدة إخوانهم المظلومين وحمايتهم فإنهم يخذلونهم وقد يُسْلِمُونهم لأعدائهم لينكلوا بهم وليفعلوا بهم ما يشاءون.. وإلا فماذا فعل المسلمون من الزعماء والملوك والروساء لنجدة المسلمين والمسلمات الذين تم أسرهم في سجن (أبو غريب) وبقية سجون العراق؟ وماذا فعلوا لأسرى المسلمين في سجن (جوانتانامو) وبقية السجون الأمريكية؟ وفى البوسنة والهرسك عند اعتداء الصرب عليهم في التسعينيات؟ وفى أسرى المسلمين من الشيشان في سجون روسيا؟ وماذا فعلوا لأحد عشر ألفاً من الأسرى الفلسطينيين المسلمين في سجون إسرائيل؟ لقد ثبت بالإحصائيات أن إسرائيل اعتقلت ما يقرب من عشرة آلاف امرأة فلسطينية منذ عام (1967م) حتى الآن.. ومن هؤلاء المعتقلات فتيات قاصرات وأمهات حوامل.. حتى أن بعضهن جاءهن المخاض ووضعن حملهن مكبلات الأيدي والأقدام..

وبمقارنة حال أسرى المسلمين وأسرى الإسرائيليين نجد أنفسنا أمام تعبير بليغ شاع استخدامه وهو (أسرى القمة) و(أسرى القاع).. فأسرى القمة هم أسرى اليهود عند المسلمين وذلك لأنهم يحظون بميزتين.. حسن معاملة المسلمين.. ونجدة قومهم السريعة لهم.

.. أما (أسرى القاع) فهم أسرى المسلمين عند اليهود وذلك لأنهم أصيبوا بمصيبتين.. سوء معاملة اليهود.. وخذلان قومهم لهم.

ويظهر الفرق الكبير بين (أسرى القمة) و(أسرى القاع) حينما نرى أن معظم أسرى المسلمين عند اليهود والصليبيين لا يرجعون إلى بلادهم إلا موتى أو عجزة  أو مصابين بأمراض نفسية وبدنية.. بينما معظم أسرى اليهود والكفار عند المسلمين يرجعون إلى بلادهم سالمين يثنون على ما تلقوه من معاملة طيبة لا تستند إلى مواثيق أو اتفاقيات دولية وإنما تستند إلى أوامر الله تعالى بالإحسان إلى الأسير كما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8] وفي قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً*إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان:8، 9] وقد تجسد ذلك في حرب رمضان- أكتوبر (1973م) حين دمرت القوات المصرية الباسلة اللواء الإسرائيلي المدرع (101) وأسرت قائده العقيد (عساف ياجورى) وأفراد لوائه وأطقم دباباته فعاملتهم معاملة طيبة كريمة واتبعت معهم منهج الإسلام في معاملة الأسرى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين