إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

ردا على الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني بخصوص ما كتبته من حوار بين ثائرين وتعقيبي عليهما، فقد كان الحوار عفويا في مجموعة ضيقة، ضمّت ثلاثة تطابقت مشاربهم واختلفت قليلا آراؤهم! 

ثلاثتهم ممن يحمل همّ الثورة، وينخرط في اهتماماتها، لذا كان تنبيه من أثقلته أوجاعها فزلزلت بعض معاني الأمل في رؤيته يسير جدا، سرعان ما تذكره بما ذكر به الحبيب ? خبّابا حين توسّل واستغاث:  ألا تدعو لنا؟ ألا تنتصر لنا؟

خباب بن الأرتّ رضي الله عنه لم يكن بحاجة لأكثر من الإشارة لطول الطريق، وحتمية ظهور الحق على الباطل، وضرورة الاستمرار في الطريق، والصبر على ضريبته الباهظة، والتي دفعتها كل الأمم التي سبقتنا بأمانة الاستخلاف وحمل الرسالة، والثورة على الطغيان، والجهر في وجهه بأعلى صوت:  لا.. 

موقف شارد عولج في دقائق، ليس بسبب المعالج ? وهو أهل، ولكن سنة الله أن نبع التغيير هو من تغيير ما بالأنفس، فكم بقي بمكة ممن لم يدخل الإسلام، والرسول هو الرسول ?، وإنما لأن خبابا في الحقيقة ممن آمن بالرسالة، وتغير من داخله فتغيّر، فكانت هذا التنبيه كافيا تماما لردّه إلى جادته، بينما بقي شيخ من سادات قريش، كانوا ينسبونه للحكمة، متلجلجا في الحق لم يتغير، يستفتح على حملة الرسالة، ويقول حين التقى القوم في بدر -كما في مسند أحمد- اللهم أينا كان اقطع للرحم و أتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة فكان ذلك استفتاحه فأنزل الله (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)..

وهذا ما أقوله لأبي الفتح الذي لن يتغير حتى يغير، ويرجع إلى معينه الأول، نعوذ بالله من الخذلان بعد البرهان، والحور بعد الكور! 

فلن تشعر يا دكتور بمعنى الحرية حتى تحرر نفسك مما أوبقتها فيه من الغشاوة، وكنت أظنك أحكم مما تخوض فيه وأشفق عليك منه! 

ليس في مقالي تبرير، ولكنه تفسير! الثورة ابتداء لم تكن اختيارا.. بل اضطرارا

وبالتالي فالحكم على الضرورة بالخطأ والمحظور يخرج عن سياق العقل وقواعده المنطقية! 

ثم هي حالة مستدامة ولازالت مستمرة، وليست سحابة صيف فنودعها ونستودع الله فيها!  

كما أنها حالة اجتماعية عالمية وليست خاصة بالإنسان المسلم، فهل يثور الفرنسيون والرومان والصينيون والروس والإيرانيون والفنزويليون والاوكرانيون، وينالوا بدمهم حريتهم ويفرضون قيمهم، ثم ندعو المسلمين وحدهم للتقاعس دون العالمين لأن ضريبة الحرية باهظة! 

هل هذا هو إسلام التحرر، أم هي ملة الخنوع والجبرية والذلة؟!

وهل ينطبق توصيف الفتنة هذا، والقعود عن حركة التغيير بداعي الغرر وفداحة الثمن على قضية فلسطين أيضا؟ فقد دفعنا ثمنا باهظا وآن لنا أن نستسلم!

ما الخاطئ في عفوي حركة التغيير الشعبي يا دكتور؟

هل وقوف الرجل لسلطان جائر خطأ؟

هل إذا لم تخش الأمة أن تقول للظالم يا ظالم خطأ؟

هل تغيير المنكر باللسان خطأ؟

هل الفزعة لأطفال درعا وحرائر بانياس وأحرار الساعة في حمص خطأ؟

وهل شعار:  الله سورية حرية وبس خطأ؟

وهل اصطفافك مع شيخ النفاق حسون الذي بارك كل هذا القتل هو الحق؟

هل وقوفك مع الشيخ المفتون في حافظ وباسل وبشار، والذي لم ير في جيش بشار المجرم سوى صحابة، ولا في الثوار إلا ناس لا تعرف جباههم السجود، أكان ذلك هو الحق؟

وهل الظهور التي ديست في بانياس حق؟

وأعلام مشايخنا غير المغموصين بالنفاق، في الداخل والخارج، ألم يقولوا جميعا كلمة الحق في واجب نصرة المستضعفين، والأخذ على يد الظالمين، وعدم كتمان البيان في حق من هدّد وأنجز تهديده:  الأسد أو نحرق البلد.. 

 فهل كان من الصواب أن تخذلوا الناس في هذا الواجب؟

أبا الفتح وقد كنت أجلّك، لست خصمك، ولكنهم والله مئات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من اليتامى والأرامل والثكالى، وملايين المشردين في فيافي الأرض، بينما تعيش آمنا في سربك، معافى في بدنك، عندك قوت يومك، هؤلاء يقولون بلسان الحال أو المقال، ونحن نؤمّن على دعواهم: اللهم إن حبيبك المصطفى ? قال: (مَن أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره - وهو قادر على أن ينصره - أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة).. 

ويقول: (ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمـًا عند موطن تُنتهَك فيه حُرمتُه ، ويُنتَقَص فيه من عِرضه ، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نُصرته).

اللهم أذل بشار وأذل شبيحته من المشايخ والمسلحين والمخبرين، واخذلهم في موطن يحبون فيه نصرتك فلا يجدونها.. 

كفرنا بالطاغوت وجبته من المشايخ والكهنوت، وآمنا بك وحدك، أنت حسبنا ونعم الوكيل.

مقال حوار على ضفاف الثورة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين