اتركوا طريقاً للعودة !

 

كثيراً ما يسلك المرء طرقاً يرى الصواب فيها، أو يتخذ مواقف وقرارات معينة،ويبرهن على صحة ما ذهب إليه ، ويحرص على ألا يُنسب إليه خطأ أو تقصير.

ومع ذلك الحرص فإننا قد نخطئ في كثير من القرارات والتصرفات ، ويكون ذلك محل نقد وتصويب، وهذه حقيقة لا مناص منها.

و الذي يجب استحضاره دوماً هو كيفية الرجوع عما بدر منا من أخطاء في القول أو الفعل أو الاعتقاد وهذا ما يسمى بــ "طريق العودة" أو خط الرجعة.

وعلى ضوء ذلك فإن العقلاء يتركون خلفهم خطوطاً للرجعة،وخيارات تمكنهم من تدارك ما فات، وإصلاح ما تبين فساده.

فمن اختار طريق المعصية فليعلم أن هناك خطاً للرجعة هو التوبة إلى الله، فلا يغلقه بالتسويف والتأجيل فربما فقد فرصة الإياب والرجوع وفاجأته المنية على حين غرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" حسنه الألباني.

ومن تخاصم مع أخيه وهجره فليعلم أن الخيرية لمن سلك طريق الرجعة إلى ود أخيه وبدأه بالسلام، وليس في ذلك انتقاص للمكانة أو خدش للكرامة بل هو خط رجعة الى الحق.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" صحيح مسلم.

ويستثنى من ذلك : الهجر لغرض شرعي كجلب مصلحة أو دفع مفسدة.

وفي الحياة الزوجية هناك منغصات قد تعكر صفو العلاقة الحميمة كالشقاق والخلاف ،وربما تطور ذلك في لحظات الغضب إلى فرقة وطلاق.

وقد وضع الشرع خطوطاً للرجعة فمنها : أن يستعمل الزوج الكلام الحسن والوعظ ثم الهجر في الفراش والضرب غير المبرح، فإن لم ينفع ذلك فإن هناك طلاقاً رجعياً بطلقة واحدة ،ثم بطلقتين، وفي هذا التدرج صيانة للحياة الزوجية من التفكك والضياع.

ومن العجيب - بعد وجود هذه الطرق المتعددة للرجعة-أن ترى من يغلق الطرق كلها بطلاق مكمل للثلاث.

وفي القضاء أو الإفتاء قد يقضي القاضي أو يفتي العالم بقول، ثم يتبين له خطؤه فيما بعد،فهل يستمر بالتزام قوله الأول؟

 

 أم يسلك خط الرجعة؟

كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: " لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ، ثم راجعت فيه نفسك، فهديت لرشدك أن تقضيه، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ".

وفي مجالس النقاش والحوار ربما يخوض الإنسان في قضايا كثيرة، فإذا تبين له وجه الصواب - ولو كان مع غيره- لزمه العودة إليه.

 

وما أجمل ما توصل إليه الشافعي في فن المناظرة فقال:

 

 "ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ ،ما ناظرت أحداً إلّا وددت أن يظهر اللهُ الحق على يديه" .

ولعل من أصعب القرارات التي يتخذها الانسان اعترافه بخطئه والتراجع عنه.

لكن هذا في الحقيقة يمثل قمة الشجاعة وعين العقل.

ومما يساعد على سلوك خط الرجعة :

1- سرعة المبادرة بالرجوع الى الطريق الصحيح لأن التباطؤ والتسويف يجعل الرجوع ثقيلاً ويقلص فرص الاستدراك.

2- اتخاذ القرارات الصائبة منذ البداية،فهو بذلك يقلل نسبة الوقوع في الأخطاء والمخالفات.

3- الاعتراف بالخطأ : فهو شرط لقبول التوبة بين العبد وربه،وهو  يفتح باب العفو والتسامح بين العباد.

4- تعويد النفس على قبول النقد البنّاء والاقتراحات الصائبة والنصائح.

فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي".

وختاماً : فإن النقص والخطأ من طبيعة البشر ومهما أجاد الانسان وأبدع فإنه يحتاج خطاً للرجعة لاستدراك ما فات.

قال أحد السلف:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لو غُيّر هذا لكان أحسن،ولو زيد هذا لكان يُستحَسن،ولو قُدَّم هذا لكان أفضل،ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر ".

 

فاتركوا خط الرجعة مفتوحاً وأحدثوا كل حين توبة نصوحاً 

 

وفقني الله وإياكم للخير والصلاح .

 

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين