اعرف حقوق سيدك

 

(تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه!  تحقق بذلك يمدك بعزه، تحقق بعجزك يمدك بقدرته، تحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته).

 ماذا تكون عليه العلاقات بين المخلوق والخالق والمرزوق والرازق، والمخطئ المعثار، والتواب.

 الغفور، والبائس الفقير والمنعم الكريم؟ إن الصورة الوحيدة المعقولة أن يعترف الأدنى بالأعلى اعترافاً مادياً ومعنوياً يَظْهر في النفس وعلى الجوارح!!!

خصوصاً إذا كانت هذه العلاقات ممتدة لا انقطاع لها، فقد يظن ظانّ أن الصلة بين العبد وربه يمكن أن تشبه الصلة بين الولد وأبويه، يحتاج الطفل إليهما صغيراً، فإذا كبر استغنى، وربما دفعه استغناؤه إلى العقوق، وجحد ما مضى!!

 كلا، إنَّ حاجة العبد إلى الله خالدة.

 أمس من حاجة الرضيع إلى أمه، مهما تراخت الأيام وأمس في حاجة النبت إلى الشعاع والماء كي يزدهر وينمو [قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ] {الأنبياء:42}.

 وربما توهم العبد أنَّه يزل ثم يستطيع الفرار من تبعات زلته، عند ذي منعة هنا أو هناك، لا، ليس في الكون من تتحصن به أو يدخلك في جواره، أو يبسط عليك منعته: الملجأ أو هي من الهارب [أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ] {الأنبياء:43}.

 إن فقر البشر إلى الله شديد، وما يستمتعون به من سمع وبصر وأفئدة مواهب معارة منه.

 لو يشاء استردها في أية لحظة، ووقف أعتى العتاة صفر اليدين لا يجد الهباء، بل تلفظه كل ذرة في الأرض والسماء [قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ] {الأنعام:46}.

 العبادة الصحيحة أن تقوم بين يدى الله وأنت أنت وهو هو.

 أنت أنت بحقيقتك العارية من غير دعوى ولا تزيد.

وهو هو بذاته القدس من غير انتقاص ولا إفك.

 أنت أنت بحقيقتك التي يتمثل فيها الافتقار والنقص وهو هو بحقيقته التي ينبغي لها كل تنزيه وتمجيد.

 ولكن النفس الإنسانية قد تلجأ إلى الخداع والتمويه، فترى الإنسان يؤثر الكبرياء على التواضع ويزعم أنه مستغنٍ بنفسه عن عناية السماء، ويحاول إيهام الآخرين أنه من ذاته لا من مصدر آخر ـ قد نشأ وتموَّل وساد.

 ويوغل في ادعائه فيرفض كل نصح يذكّره بأنه أحد عبيد الله المنتشرين على ظهر هذه الغبراء، يتعرضون للسراء والضراء فتنة وتمحيصاً، لا فضلاً وتخصيصاً...

 إنه في نظر نفسه ليس ثمرة المن الإلهي، إنه ابن نفسه فما لديه ثبت له لأنه حقه!![وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى] {فصِّلت:50} 

لماذا تكون الحسنى لك إذا رجعت إليه وقد كنت به كفوراً؟ إنه شعور غبي، إنه يظن نفسه هي التي سودته في الدنيا، وستسوده كذلك في الأخرى، لأنه أهل السيادة ورثها كابراً عن كابر.

 أجل هو عريق النسب ـ ولو كان ابن الصعاليك ـ فهكذا يتصور الأغرار الأمور، وهكذا تفسد النفس فتفسد أحكامها على كل شيء...

 والله عز وجل يمقت من عباده أولئك الصنف الذين يعمون عن أنفسهم وعن ربهم.

 لقد خلق الناس ليعرفوه ويحمدوه لا ليجهلوه ويجحدوه.

 فإذا شردت الأمم عن الجادة صب عليها سوط عذابه لتعترف بعبوديتها وتثوب إلى رشدها.

 قال تعالى:[فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا] {الأنعام:43}.

 فإذا أبت إلا المضي في غوايتها ولم تعتبر مما مسها أمضى فيها عقوبته كاملة ورفض أن يذيقها رحمة: [وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ] {المؤمنون:75-78}.

 إن الله يقترب برحمته ممن يقفون عند منازلهم الإنسانية ويوقرون ربهم سراً وعلانية.

 اعترف في ساحته بعجزك يمنحك القوة .

 اعترف في ساحته بذلك ينضر وجهك بالكرامة.

 إبرأ من حَوْلك وطَوْلِك إلى حوله وطوله يهبك سلطانا في الأرض ويكفل لك التوفيق والنصر والنجاح: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {الحديد:28}.

 والناس ـ في العصر المغتر زاهدون في السماء عاكفون على الأرض، واثقون من عالم الشهادة ساخرون من عالم الغيب، مؤمنون بأنفسهم قليلو الاكتراث بربهم الذي خلقهم لغاية أشرف مما يألفون.

 وهم محرمون حقاً من أمداد الفضل الإلهي ما بقوا على هذا الزيغ، بل هم معرضون حتما لنكال في أعقاب نكال، وحرب في أعقاب حرب.

[وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ] {الرعد:31}  .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين