الإسلاميون على أعتاب حرب باردة جديدة (2)

 

في الجزء الأول من المقالة، ذكرت جملة من الملامح المهمة، في مواجهة هذه الحرب، والاستعداد لها، ورغم أن الموضوع الذي يكتب، ما هو إلاّ قص شريط، لبحث أوسع، وندوات، والاستعانة بخبراء، ومخططين إستراتيجيين، وليس الهدف منه استقصاء المطلوب، فهذا يحتاج إلى بيوت تفكير جماعية.

 

ولكن هناك نقاط ارتكاز، لا بد من لفت الأنظار إليها، لعلها تؤدي الدور الذي لأجله كانت هذه المقالة.

 

ومن ضمن هذه الملاحظات، والتنبيهات:

 

- على الإسلاميين أن يهتموا بالجانب الأمني، ويجعلوه في سلم أولوياتهم، لأن له أهمية بالغة، ونواتج خطيرة، وهو محور عمل الدول والمؤسسات والجماعات، في الحرب الباردة، وفي الحياة الحركية عامة، والغفلة عنه تكون سبباً في نكسات عظام، لها أول وليس لها آخر، ولعل أبرز أخطارها: الاختراقات، والتجسس المغلف بصنائع المعروف، وحقيقته اختراقات فظيعة، وما قتْل بعض قادة الإسلاميين في القديم والحديث، بفعل الاختراقات، إلا نموذج من النماذج التي تدلل على خطر هذا الجانب، وتأكيد على أهميته، التي ذاقت الحركة الإسلامية منه الأمرين، هذا قتل بسبب خرق قريب، وذاك بسبب عدم تحفظه في الكلام، وواحد بسبب التليفون، وآخر لأنه يجهل التعامل مع الحاسوب، وهكذا.. علاوة عن تفشيل الخطط، والحرب الاستباقية، والدسائس الاستخباراتية.

 

إضافة إلى رسم مسارات التوريط، التي تحتاج إلى وعي أمني، عال، وحس أمني متميز، وهذا الموضوع أصبح اليوم علماً واسعاً من العلوم التي تتصدر قوائم الباحثين عن النجاح، والمفتشين عن النجاة.

 

العمل الاستخباراتي إبليس العصر، وجنده شياطين الدنيا، هذا بالنسبة للقوى الشريرة، أما بالنسبة للمسلم، في عالم المواجهة، حيث تواجه الخطة بخطة مكافئة، فهو طوق النجاة، ومشروع حراسة الخير، وبرنامج حماية المنجزات، ذلك أن المسلم يفعل هذا، ولا يترك الشيطان يتلاعب به، ولا يطلق العنان، للمصلحة المجردة أن تكون غالبة، فأهدافنا إسلامية، ووسائلنا إسلامية، وهنا يكمن الأمان، ويرتفع الحرج.

 

كم من مصيبة وقع بها الإسلاميون، بسبب ضعفهم في هذا الجانب؟ وكم من كارثة حلت بهم نتيجة عدم عمق معرفتهم بفنونه ودهاليزه؟ وكم من خطة فشلت بسبب لعبه ومكره؟ وكم من مصيبة وقعت، بسبب غفلة الصالحين! وما حادث مقتل قادة كبار في سورية، عنا ببعيد.

 

آن لكثير من الإسلاميين، أن يخرجوا من دائرة "الدروشة" إلى حقائق "خذوا حذركم"، فالتطورات لا ترحم، وقانون التحرك والتدافع والمصالح والعداوة لا يحمي المغفلين.

 

ومن يتابع هذا الأمر بفقه دقيق، وفهم سليم، لكتاب الله جل وعلا، يجده واسعاً ومؤصلاً، ومن يقرأ هذا الجانب، في سيرة نبينا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – يرى فيه ذخائر من روائع الحيطة والحذر، وتنمية الحس الأمني، وحسن التقدير، والمعلوماتية، والتربية على الوعي بهذا الجانب، تجد هذا في مفاصل الهجرة، وتلاحظ هذا في الغزوات، وحيث ما غزا غزوة إلا ورَى بغيرها.

 

- الحرب النفسية: هي الأخرى أداة من أدوات الحرب الباردة. علينا أن نفهم أصولها وقواعد عملها، ومنها الشائعات، وأحطارها وآثارها، وكنت قد نشرت عدة حلقات عن هذا الموضوع في مجلة "المجتمع"، تحت عنوان "العمل الإسلامي والحرب النفسية"، ومقالة عن الشائعات، وكيفية مواجهتها، لأن المسلم كيس فطن، وليس خباً، ولا الخب يخدعه، فلا يجوز له أن يكون جاهلاً، بهذه الأشياء في زمن لا مكان فيه، إلا للنابهين الأبرار.

 

- الاستدراج للوقوف إلى جانب طرف، على حساب الطرف الآخر، وهذه قضية يغرق فيها كثير من الساسة، دون وعي بالحدث ونتائجه، ومثل هكذا أمور تدرس بعناية فائقة، ويوضع الطعم بشكل دقيق، وينصب الفخ بصورة محكمة، ويشعرك العدو – من خلال توفير شروط موضوعية، في الظاهر أنها في صالحك – أن النجاة في هذا، وفرصة العمر بالنسبة لك، وفي الحقيقة، هي ورطة لك، بل ربما يكون فيها حتفك السياسي أو العسكري، من هنا لزم الوعي المتوازن الأبعاد في الرؤية، لهذه القضايا الشائكة، وأحياناً الخطأ لا يتكرر، وتقع كوارث نعض عليها أصابع الندم كثيراً، هذا إن بقيت لنا أصابع، في ذلك الحدث أو ذاك.

 

وهنا نشيد بموقف الحركة الإسلامية، في اليمن، الذي تمثل بدقة الفهم، وحسن التقدير، حيث كانت عصية، على الوقوع في مثل هذا الفخ، أو أن تستجر لمستنقع لا تريده.

 

- ومن أنواع الاستدراج الخطير، جرك إلى مربع، يكون فيه الهلاك، إذ يقوم العدو أحياناً بالترغيب في العمل الذي يريد إيقاعك فيه، ويهون الأمر، ويجعل لك الخيار وردياً بطريقة أو أخرى، المهم عنده أن تقع في الحفرة، حتى إذا أصبحت في وسطها، تدرك أنك في ورطة، وفي بعض الأحيان يكون ذلك بالترهيب والتهديد والوعيد، ويلقي عليك قنابل الاستفزاز، وهي لعبة يسميها بعضهم "إخراج العدو من مخبئه"، فإذا خرج قضينا عليه، وفي هذه الحالة تظهر حنكة القادة ودهاء الساسة، وحسن تقدير الموقف من العاملين، والأمر من الخفاء بحيث إنه يحتاج إلى الراسخين من أولي العلم والنظر، حتى يفهموه، ويستوعبوا الخطر فيتجاوزوه، وأخطر ما في هذا الأمر، الاستسلام للعواطف الهوج، والانفعال غير الواعي.

 

وتقابل خطة العدو، بخطة "تفويت الفرصة على العدو".

 

حروب النيابة (حرب بالوكالة): وهي أسلوب قديم حديث، استخدمه الرومان واليونان والفرس، وفي العصر الحديث، ظهر في أوروبا في بعض الحروب.

 

وهي مفردة من مفردات ووسائل، الحرب الباردة، حيث يعمل العدو على تحريك عدوين على بعضهما، من مصلحته القضاء عليهما، أو على أحدهما، ويكون الطرف الثاني، لا يدخل في اهتماماته لا من قريب، ولا من بعيد، يختار الزمان الذي لم يخطط له الطرفان، ويستجرهم إلى المكان الذي لم يخطر ببال الجانبين، ويجهز الأدوات اللازمة لإشعال الحرب، ويقع ما يقع، بينما هو يتفرج على مباراة كرة قدم، ويلهو مع كلب من كلابه، وهي صورة من صور الإجرام.

 

ورغم أنه في كثير من الأحيان ينقلب السحر على الساحر، ولكن يبقى هذا الأسلوب موجوداً وفاعلاً، وعلينا أن نفهمه بوعي متميز.

 

وليس من حروب النيابة، في عالم الذم، ما كان دفاعاً عن الأمة، بل هذا من المفاخر، ومن نماذج ذلك، ما يحدث اليوم في سورية، حيث يتصدى أبناء الشعب السوري الأبطال الميامين، الصابرون المحتسبون، لقوى الطائفية والظلام، ليس دفاعاً عن سورية فحسب، بل عن الأمة كلها، وهذا شرف عظيم، وفخر كبير.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين