الإسلام في وجه العاصفة

 

                            

  ربّما لم يمر على العالم الإسلامي فترة هي أشد حُلكة مما  نحن فيه هذه الأيام ، صحيح أنّ العالم الإسلامي تعرض في السابق لغارات عديدة للقضاء على الإسلام وإبادة أهله ، على أيدي المغول والصليبيين وغيرهم ، إلا أن الغارة اليوم على العالم الإسلامي تختلف عن سابقاتها من ناحيتين : 

الأولى : أنها لا تستهدف المسلمين كأمة ومقدسات وأرض وخيرات فحسب ، بل تستهدف كذلك الإسلام كدين من خلال محاولات سافرة بائسة للتشكيك بالعقيدة الإسلامية والحقائق الإيمانية كالتوحيد و القرآن الكريم وشخصية النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم وسنّته الشريفة وصولا إلى الأحكام الشرعية القطعية كالحجاب و الجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله والحَلّ الإسلامي.

الثانية :أنّ العدوان على ديننا وأمتنا ليس عدوانا خارجيا فحسب بل هو أيضا عدوان داخلي يتعاون فيه العملاء المنافقون والطغاة المستبدون مع الكافرين الماكرين للقضاء على الإسلام وأهله في عقر دار المسلمين ، بل الأخطر من ذلك كلّه أن يشوّه اٍلإسلام بأيدي بعض من يزعمون الإنتساب إليه،بطريقة وحشية همجية يندى لها جبين الإسلام والإنسانية . 

         لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ             إن كان في القلب إيمان وإسلام.

 ويكشف لنا المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز ، طبيعة هذه المعركة فيقول : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ).( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...) .

وفي المقابل ، يأمرنا المولى تبارك وتعالى بإعداد كل أشكال القوة المشروعة لمواجهة الأعداء الظاهرين والمتسترين ، فيقول : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).

كما أنّ المولى تبارك وتعالى بشرنا بأنّ هذا الدّين سيبقى ظاهرا وأنّ أمته ستبقى منصورة مهما اشتدت عواصف المكرّ والبغي ، وظلمات الفتن والشرّ أيا كان مصدرها ، فيقول : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) .

أما الذين يصرّون على إساءة فهم هذا الدّين ويتغافلون عن جرائم أعدائه بحقّه وحقّ أهله والإنسانية ، ويريدون أن يحاكموا الإسلام من خلال أخطاء بعض أبنائه أو دسائس أعدائه ، فنقول لهم إذا أردتم ان تعرفوا الإسلام وتحكموا عليه ، فلن تنصفوه إلا من خلال نصوص الوحيين ( الكتاب والسُنّة ) ، بعيدا عن انتحال المبطلين و تحريف الغالين وتأويل الجاهلين ، وكل ما خالفهما من آراء أو أعمال فهي مردودة على قائليها وفاعليها ، لقوله صلى الله عليه وسلّم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " رواه الإمام مسلم في صحيحه . وقال الإمام مالك – رحمه الله - : "كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر" أي النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) . 

   فمثلا : إذا تأملنا بعض آيات القتال ، نرى مدى سماحة الإسلام حتى مع الكفار المستأمنين الذين لم يعلموا حقيقة الإسلام ، حين يعطيهم الأمان ليكسبوا فرصة سماع التوحيد و كلام الله ( القرآن ) وتدبره بإطمئنان،ثم إن لم يسلموا، فأوصلوهم إلى ديارهم آمنين من غير غدر ولا خيانة، قال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) . 

     بل بلغ من كرم الإسلام وحسن تعامله مع الآخرين ، أنه أمر بالإحسان والعدل مع المشركين المسالمين ، قال تعالى: (لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ ) . 

أما أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب فهي أكبر من أن تُحصر ، ولعل من أهمها، قوله صلى الله عليه وسلم حين أرسل جيشه : " انطلقوا باسم الله ، وبالله ، وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتلوا شيخا فانيا ، و لاطفلا صغيرا ، ولا امرأة .... وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "رواه أبو داود .

وهذه شهادات غير المسلمين ، تصف لنا سمو أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم  في الحرب ، من ذلك قول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون ) في كتابه (حضارة العرب ): "ما رأى التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب"  وأضاف : " إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم ، كان ( محمد ) من أعظم من عرفهم التاريخ "  وعبّر عن دهشته من انتشار الإسلام فقال  : " والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملة للنظر تماما ، فالمسلم أينما مرّ ترك خلفه دينه " . 

ويأتي موسم الحج في هذه الأيام – من كل عام -  ليقدّم صورة بيضاء ناصعة لحقيقة الإسلام وما يحمله للعالم المضطرب من سلام وأمان  ، وليؤكد للناس جميعا أنّ المسجد النبوي الشريف والبيت الحرام  المقدّس ومعهما المسجد الأقصى المبارك هم منبع السلام والأمان  والبركة للعالمين إلى يوم الدّين .  قال تعالى في المسجد الحرام : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ، فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا....) . وتوعّد من أراده بسوء فقال : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) . كما توعّد النبي صلى الله عليه وسلم من أراد المدينة المنورة بسوء فقال :" لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء "  البخاري . وقال تعالى في حق المسجد الأقصى : ( الذي باركنا حوله ) . 

و تتجلى في مناسك الحج ، أبهى صور السلام مع الإنسان والحيوان والنبات : فالحرم مكان آمن لا مجال فيه للعنف والأذى المادي :  (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ..) . والمحرم عليه أن ينأى بنفسه عن القول البذيء وكل أشكال الخصام : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ..) .

بل الطير والحيوانات والحشرات وحتى الحشائش والنباتات لا يجوز التعرض لها بسوء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنّه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ..." رواه مسلم .  

فهل يوجد في الأرض منهج كالإسلام يُربّي أتباعه على تحقيق السلام مع أنفسهم وما حولهم كما يحرص عليه الإسلام ؟!!. 

على المسلمين - إذا أن يعتزوا بدينهم ، ويرفعوا رايته ويحملوا رسالته للعالم ، و لا يبالوا بأراجيف الأعداء، قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). 

والحمد لله ربّ العالمين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين