الإسلام منهج حياة

 

"إنهم يريدون إسلاما أمريكانيا يستفتي في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتي في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية" 

كلمات بسيطة لخص بها الشهيد سيد قطب سبب ذعر الغرب من هذا الإسلام الذي يبشر به أولئك الثائرون، وهو ذلك الإسلام الذي أنفقوا في سبيل تغييبه عن واقع المسلمين المليارات، حماية لمصالحهم، وتحقيقا لمطامعهم في منطقتنا العربية والإسلامية، ذلك الاسلام الذي يستثير الأمة لتجمع شتاتها ،وتوحد كلمتها ،وتنتبه لما يحاك لها ، فتحمي مقدراتها، وتستفيد من خيراتها ، فجيشوا آلاف المستشرقين ليملؤوا ساحة الثقافة الاسلامية بغبار الشبهات، وليلقوا علي تاريخنا ظلم الاتهامات، وليوجهوا سهامهم المسمومة تجاه عقائد المسلمين وثوابتهم، واستخدموا كل وسيلة لعولمة ثقافتهم وفرضها فرضا علي عالمنا العربي والإسلامي،واستقطبوا الكثيرين من أبناء المسلمين من خلال نواديهم ومعاهدهم ،وإسباغ المنافع المادية عليهم، واستطاعوا ان يجعلوهم يتكلمون بلسانهم ويبشرون بثقافتهم ويتنكرون لدينهم وتاريخهم وحضارتهم، ودعموا الحكومات والأنظمة التي تساعدهم علي تحقيق

أهدافهم وتعمل علي تغييب منهج الإسلام بشموله وعمومه عن واقع الأمة وتحرس علمانية الدولة، وتغيب الشريعة، حتي نشأ جيل فهم الاسلام كما أرادوه ان يفهمه، فلم يدركه الا عقيدة مفرغة من مضامينها وعبادة منقوصة مفرغة من أسرارها، ولا علاقة له بالحياة ¡¡¡¡

وإذا بهم يتفاجؤون بهذا البعث الجديد من الثائرين ،الذين فهموا الإسلام كما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم، فأعادوا للعقيدة مضامينها، وللعبادة روحها ومعانيها وأسرارها، فراحوا ينادون به نظاما شاملا يتناول مظاهر الحياة جميعا، وأنه يحتوي علي القواعد الكلية التي تنتظم كل شأن من شئون الحياة "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، ، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، فهو لا يقر الفوضي، ويحرص علي النظام العام.، ويحرص علي توجيه الأمة لما يحقق أمنها واستقرارها ورخاءها وحياتها ولما يمكنها من تحقيق الرسالة التي خلقت من أجلها، ولن يكون ذلك الا بالإصلاح السياسي فهو رأس كل إصلاح.، والدولة هي أرقي النظم السياسية التي تنظم حياة الأمم، وأركانها أمة ووطن وحكومة، ولقد حقق الإسلام بتشريعاته وممارساته أرقي شكل للدولة يمكن ان تطمح له أمة، فشيد أرقي حضارة وأعظمها أثرا بين الأمم، ففرض علي الأمة نصب الإمام "الحكومة" وجعل الحكم من العقائد والأصول وليس من الفقهيات والفروع، وترك للأمة حق اختيارها ومراقبتها ومحاسبتها، وأوجب علي هذه الحكومة حراسة الدين ونشره وإدارة شئون الأمة، وأوجب عليهم جميعا حكومة

وأمة العمل الجاد المثمر بما يحقق الرخاء والامن والاستقرار للوطن الذي يعيشون فيه ، وجعل هذا الوطن يتعدي حدوده الجغرافية لتكون العقيدة حدوده، فلا ينعزل عن هموم أمته، فيهتم بأمور إخوانه أينما كانوا..... 

وان تقدم الأمم ليقاس من خلال تقدمها في مسارين، التقدم المادي، والتقدم المعنوي ،ولا يغني أحدهما عن الآخر، والتقدم المعنوي هو حصانة التقدم المادي، ولذا كان الإسلام كذلك خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، خلق راسخ في النفس يبعث علي فعل الفضائل حبا فيها ورغبة فيما عند الله، لا تغيره الظروف ولا تلونه الحوادث، خلق من أعظم مظاهره الرحمة التي تحقق سعادة وأمن وترابط الأمة، ومع ذلك فالقوة حاضرة، تقوم المعوج، وتخوف المنحرف، وتضرب علي يد الظالم، ومن أعظم مظاهر القوة العدالة التي لا تحابي أحدا علي أحد، ولا تميز بين شريف وضعيف...... 

ومن التقدم المعنوي أيضا ان الإسلام ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، فعندما تصبح تصورات الناس واحدة ،والمعروف بينهم واحد ،والمنكر عندهم واحد، فثمة هوية الأمة وتقافتها، وهي ثقافة قائمة علي علم بكتاب الله وسنة نبيه، نظم الإسلام لها القوانين التي يقضي بها بين الناس، فلا هوي، ولا زيغ..... 

 

ثم يأتي التقدم المادي الذي لم يهمله الإسلام كذلك، فنادي هؤلاء الثائرون ان الإسلام كذلك مادة وثروة أو كسب وغني

،فهو يحث أبناءه علي ان يحوزوا كل أسباب القوة"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ومن أسباب القوة التقدم الاقتصادي، الذي به تتحرر الأمة من التبعية للغير، فلن تفكر برأسك إلا حيث يضرب فأسك، ونعم المال الصالح للعبد الصالح، "وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" ......

 

ومن التقدم المادي أيضا ان الإسلام جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، فهذه الفكرة الشاملة الكاملة التي وضعها الله الكامل العادل العليم بمن خلق، والتي لا غني للبشرية عنها، والتي تستحق من حملتها ان يضحوا في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال لتحتاج الي قوة تحميها، فلا يمكن ابدا ان تقوم علي أكتاف الحالمين، ولا الكسالي النائمين، وإنما تقوم علي أكتاف المجاهدين الذين لا يبخلون عليها بأموالهم وأنفسهم، فهم في حركة دائبة في سبيل تحقيق فكرتهم وإقامة منهج ربهم حتي يظفروا بإحدي الحسنيين نصر أو شهادة!!!! 

 

فهذا هو الإسلام الذي يعرفه هؤلاء الثائرون ولا يعرفون غيره، لا يعدلون به نظاما، ولا يطيعون لغيره أحكاما،  الله غايتهم، ورضاه مقصدهم، والرسول قدوتهم، وصحابته مثلهم العليا، فهم حافظوا قرآنه كما حفظوه، ورافعوا لوائه كما رفعوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله

للعالمين "ولتعلمن نبأه بعد حين "

ولعلكم. الآن أحبتي فهمتم سبب اجتماع كل ملل الكفر عليكم، ولنا ان شاء الله بعد لقاء حول بعض مظاهر شمولية هذا الدين حتي نقول بقلوب مؤمنة واثقة مطمئنة لكل الناس:"الإسلام هو الحل"

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين