الجنة بركعتين - القائد الرومي(جورج)
الجنة بركعتين
للشيخ ناجي الطنطاوي
هذه قصة عظيمٍ من عظماء الروم ، وقائدٍ من كبار قوادهم يوم اليرموك ، كان حظه عند الله عظيماً لأنه دخل الجنة بركعتين صلاهما قبل أن يموت ولم يعمل شيئاً من الصالحات غيرهما مع أن الجنة غالية الثمن وليس الطريق إليها بالطريق السهل المعبَّد، ولكنه طريقٌ شاقٌ متعبٌ، وقد يتحمل الإنسان مشاق العبادة رغبةً في دخول الجنة فلا يدخلها كما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قدم الشام فمر في طريقه بديرٍ فيه راهبٌ انقطع للعبادة فيه أكثر من خمسين سنة، فلما رآه عمر تلا قوله تعالى: (عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) الغاشية: ? - ?.فهذا الراهب يعتبر من أهل النار لأن عبادته لم تكن على أساس الإيمان الصحيح ولا على مبدأ التوحيد الخالص.
ونعود إلى قصة القائد الرومي التي ذكرها المؤرخ ابن كثيرٍ عن الواقدي وغيره ويمكن تلخيصها بأن هذا الرجل يسمى (جورج) أو (جرجه) كما يلفظها المؤرخون، كان قائد جيش الروح يوم اليرموك ،ولما رأى انتصارات المسلمين المتتالية برغم قلة عددهم، فكر في نفسه وراح يبحث عن السبب في هذا الأمر الغريب فلم يستطع أن يهتدي إليه فما كان منه إلا أن طلب مقابلة خالد بن الوليد في ساحة القتال قبل تجدد المعركة، فلما اجتمع به وكلُّ واحدٍ منهما راكبٌ فرسه سأله عن هذا الدين الجديد قائلاً : إلى أي شيء تدعون؟ فأجابه خالدٌ رضي الله عنه : إننا ندعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عزَّ وجل .. قال: إذا لم نقبل هذا ، فماذا تفعلون؟ قال: نأخذ منكم الجزية وندافع عنكم ونمنعكم من اعتداء أحدٍ عليكم. قال: فإذا لم ندفع الجزية؟ قال : نؤذنكم بالحرب ثم نقاتلكم. قال: فإذا دخل واحدٌ منا في دينكم فماذا تكون منزلته عندكم؟ قال خالدٌ : تصبح منزلتنا واحدةً فيما افترض الله علينا، قال: فهل يكون له مثل ما هو لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم ويكون أفضل منا، لأننا رأينا نبينا وهو قد آمن به ولم يره فهو أفضل منا.
فسكت جورج مفكراً متعجباً من هذا الذي سمعه، وقال لخالدٍ رضي الله عنه : إنك قد صدقتني ولم تخادعني، ثم قلب ترسه وقال له: علمني الإسلام.
فمال به خالد إلى مقر القيادة وأعطاه ماءً فاغتسل به ثم علمه الإٍِسلام في دقائق معدوداتٍ، ثم صلَّى به ركعتين، ولما انتهت الصلاة هجم الروم فتجددت المعركة بين الفريقين وانضم جورج إلى جيش المسلمين واشترك معهم في القتال ببسالة وشجاعة من وقت الضحى إلى غروب الشمس، وأصيب بجروحٍ، مات على أثرها ولم يصل لله إلا تلك الركعتين ـ رحمه الله تعالى ـ
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين