الحركات الإسلامية بين المشروع السياسي والدعوي

 

إن الكثير من الحركات الإسلامية قد دمجت بين مشروعها الدعوي والسياسي وهذا الدمج كان له آثار سلبية على مستقبل الحركات الإسلامية ولا بد أن أوضح بداية المشروع الدعوي والمشروع السياسي.

إن المشروع الدعوي يتناول موضوع الدعوة إلى الإسلام والتمسك بمبادئه والعمل بأحكامه وشريعته ويسعى المسلم في مشروعه الدعوي إلى دعوة الناس إلى الإسلام والتعريف بمبادئه وأحكامه فالمشروع الدعوي يتناول عدداً من القضايا ومن أهمها قضية الإسلام والكفر فالناس تتمايز في المشروع الدعوي بين مسلم وغير مسلم والأحكام تختلف بناء على هذا التمايز كأحكام العبادات والزواج والطلاق ويكون لكل مجتمع أحكامه وعاداته وتقاليده الخاصة به وهذا أمر طبيعي فمثلا اليهود في مجتمع المدينة كانوا متمايزين عن المسلمين وكانت لهم أسواقهم ومجالسهم الخاصة عن المسلمين وفي الكتب الفقهية نجد أن لغير المسلمين أحكاماً خاصة في أماكنهم وأسواقهم كجواز إظهار شعائرهم ومتعبداتهم كالصليب والناقوس وبيع الخمر والخنزير ولباسهم الخاص الذي يتميزون به.

أما المشروع السياسي فهو يتناول تصوراً عن إدارة البلد وشكل الحكومة وعلاقة الدولة بالناس أو المواطنين والحقوق والواجبات التي يجب أن تؤمنها الدولة للمواطنين.

 وهنا يكون الفرد في الدولة له حقوق كاملة بغض النظر عن معتقداته الدينية وتترتب عليه واجبات يجب أن يقوم بأدائها للدولة مقابل هذه الحقوق فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى المدينة المنورة أول عمل قام به وضع وثيقة المدينة المنورة والتي تتضمن التزامات مشتركة بين جميع مكونات المدينة المنورة بغض النظر عن دينهم ومعتقدهم (مسلمون ومشركون ويهود أهل كتاب) وبغض النظر عن انتماءاتهم القبلية (مهاجرون وأنصار أوس وخزرج) وبغض النظر عن قومياتهم (مسلمون عرب ومسلمون غير عرب).

فالمشروع السيسي يتعلق بحكم البلد وإدارتها خلافاً للمشروع الدعوي الذي يتعلق بدعوة الناس إلى الإيمان وهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

وبناء على هذا الاختلاف بين المشروع الساسي والمشروع الدعوي فإننا نجد كثيراً من الحركات الإسلامية قد دمجت بين الأمرين المشروع السياسي والدعوي وقد نتج عن هذا الدمج آثار سلبية ومن الآثار السلبية للدمج:

  • النظر إلى الناس على أنهما صنفان مؤمن وكافر وليس على أنهم أفراد في الدولة لهم حقوق وعليهم واجبات مشتركة بغض النظر عن انتماءاتهم والتعامل معهم على أساس هذه النظرة.

  • ومن الآثار السلبية للدمج إن فشل المشروع السياسي يؤدي إلى فشل المشروع الدعوي وبالتالي خسارة الحاضنة الشعبية وفقدانها الثقة بالمشروع الدعوي لأنه مرتبط مع المشروع السياسي.

  •  ومن الآثار السلبية ربط المشروع السياسي بالايديولوجية وبالتالي من يرفض المشروع السياسي للحركة فإنه يعتبر رافضاً للإسلام مرتداً تقام عليه أحكام الردة.

  •  ومن الآثار السلبية للدمج تكفير الحركات الإسلامية لبعضهم لأن كل حركة تنظر على أن الإسلام الحقيقي معها وأن كل مخالف لها هو مخالف للإسلام وليس مخالفاً للمشروع السياسي وبالتالي تنشغل الحركات الإسلامية بين بعضها البعض لتثبت صحة ما معها من أفكار ومعتقدات وتنشغل في حروب فكرية جانبية.

  • ومن الآثار السلبية خلق الضبابية عند أفراد الحركة لأن المشروع الدعوي يتعامل مع قضايا قريبة من الثوابت أما المشروع السياسي يتعامل مع متغيرات تتغير حسب المواقف السياسية فمن كان عدواً بالأمس قد يصبح صديق اليوم فالدمج بين المشروعين يخلق فوضى عند أفراد الحركة بسبب الخلط بين الثابت والمتغير مما يؤدي إلى انعدام الثقة في القيادة وبالتالي فشل الحركة.

لذلك لا بد للحركات الإسلامية حتى تتخلص من هذه النتائج السلبية أن تفصل بين مشروعها الدعوي والسياسي فالفصل يحقق نتائج إيجابية كثيرة منها

  • أن تقدم كل حركة مشروعها السياسي لقيادة البلد وبالتالي لا تربط هذا المشروع بإيديولوجية معينة فلا يكون هناك تعارض بين الحركات الإسلامية الأخرى والتي هي تحمل مشروعاً سياسياً ليس بالضرورة أن يكون متفقاً مع الحركات الأخرى وذلك لأنها تقدم رؤية وبرنامجاً لإدارة البلد.

  •  إن فشلت المشاريع السياسية فلن تخسر المشاريع الدعوية والحاضنة الشعبية لأنها منفصلة عن مشروعها السياسي وبالتالي فهي تكسب الحاضنة الشعبية والخزان البشري لمشاريع سياسية أخرى في المستقبل.

ومن الملاحظ أن الحركات الإسلامية التي تبنت فكرة الفصل بين المشروعين كانت قابليتها للعيش والاستمرار أكثر من الحركات التي دمجت بين هاتين الفكرتين وبمجرد أول هزة سياسية للحركة ستموت الحركة بشقيها الدعوي والسياسي أما الحركات التي فصلت بين المشروعين كانت أكثر مقاومة عند الهزات السياسية صحيح أنها قد تفقد الحكم لفترة معينة لكن حاضنتها الشعبية باقية في المساجد والجامعات والمدارس والأسواق والإعلام ولن تموت.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين