الحكم الصالح -2-

الفرق بين الحاكم الصالح والفاسد:

لن نعتمد في بيان الفرق بين الحاكم العادل والصالح وغير الصالح  على عقولنا فقط، بل نقتبس من آثار النبي صلى الله عليه وسلم ميزان التفرقة، فقد سُئل عن الأمير الصالح، وغير الصالح، فأجاب: بأن الأمير الصالح هو الذي يعمل للمسلمين، وغيره هو الذي يعمل لنفسه  [لم أقف على حديث بهذا اللفظ أو المعنى].

وإنَّ هذا الضابط هو المقياس المستقيم، لأنَّ الحاكم الذي يعمل للمسلمين، يتَّجه إلى ما فيه مصلحتهم، فلا يحكم بهواه، ولا يريد إلا وجه الله تعالى، والذي يعمل لنفسه، يسير وراء ما يحب، فيتقرَّب منه من يُدهن في القول، ويحطُّ على هواه، فيُبعد المخلص، ويُدني المنافق، يقرِّب من يمالئ، ويعادي من يُصارح وينصح، ولقد قال تعالى في وصف الحاكم الفاسد مقابلاً بالصالح:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ(204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ(205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ(206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ(207) ]. {البقرة}..

ومثل الحاكم الأول مثل الذي يقول من الولاة: (من قال لي: اتق الله، قطعت عنه ) وقد صدرت، بعض الطغاة من ولاة المسلمين.

ومثل الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لامَهُ بعض الناس في حكمه فقال له: اتَّقِ الله، فردَّه بعض المنافقين قائلاً: (أوَ تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟ ) فقال عمر: (لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها).

وإننا في ضوء ذلك البيان القرآنيِّ، والأثر المُحمَّدي نستشرف معرفة أوصاف الوالي العادل الذي يُمدح عمله، ويقرُّ عليه ويؤيد فيه حياً، ويُذكر له من بعد وفاته ليكون أسوةٌ لمن بعده إن استقام على طريقه، وسلك مثل سبيله وهو سبيل المؤمنين.

وأوَّل وصف من أوصاف الوالي العادل: أن يُلاحظ في عمله ما يعود نفعه على الكافَّة، ولا يلاحظ ما يعود عليه، لا يغضَب لنفسه، ولكن يغضب لله، لأنه إن غَضِبَ لله كان عمله للحق والنفع، وإن غضبَ لنفسه كان الحاكم عليه هو الهوى، والهوى آفةُ الحكام، ولقد نهى الله تعالى عنه كل من يتولى أمور الناس، فقال الله تعالى مخاطباً نبيه داود عليه السلام الذي كان نبياً: [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ] {ص:26}.

وإنَّ الهوى إذا سيطر أفسد النفس، وأفسد العقل، فأفسد الحاكم، وصار يغضب لنفسه، فيصبُّ جامَ غضبه على الناس، ويأخذهم بعنف المُستبد الغاشم لا برفق العادل القائم بحكم الله تعالى.

الحلقة السابقة هـــنا

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين