الحياء خلق الإسلام

 

 

أسطر كلمات عن شعبة من شعب الإيمان، ومظهر من مظاهر الإسلام، وسمَة من سمات الكرام، وفضيلة من فضائل ديننا الحنيف ، وخُلق من أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم، ومسلك عرف به طوال حياته، ذلك هو الحياء الذي قلّ الحديث عنه بين الناس، وكاد أن ينعدم وجوده لدى الكثير من عباد الله فذبح في هذا الزمن العجيب ، وضيع في هذه الأيام العصيبة ذبحته المدنية الكاذبة، وضيّعته الحضارة الزائفة، فضلّ من ضل، وفسق من فسق، وفجر من فجر، وكفر من كفر، وأصبح الناس يعيشون أياما لايرون الحياء في كثير من الرجال ولا النساء، ولايشعرون بأثره في الصغار ولا في الكبار على سواء.

 ضيع وغير وبدل بأخلاق ما أنزل الله بها من سلطان، فأطلق الناس اليوم على السفه والطيش والبذاءة جرأة، ويسمون الحمق  والغرور وسوء الأدب خلقا وموقفا وشجاعة ، وجعلوا الحياء لايليق بهذه الأيام 

فعاقبهم الله عزوجل عقوبات عاجلة في حياتهم، فأصابهم الضيق والضنك في معيشتهم ، وذهبت عنهم السكينة ، ورحلت عنهم الطمأنينة ، وأضحى الكثير فاقدا للأمن والأمان  فهم في خوف دائم وقلق واضطراب مستمر،  وصدق الله عزوجل إذ يقول : ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ))، ورحم الله القائل: ((إذا ذهب الحياء حل البلاء )).

وعند تعريف الحياء ومعرفة معناه، نجد كثيرا من الناس يفهمونه فهما خاطئا، ويعتبرون الحياء مجرد الخجل واحمرار الوجه، وعدم الجرأة على مخالطة الناس  أومواجهة الآخرين أوالتردد ، وعدم الإقدام  على فعل أمر من الأمور المباحة هذا مايعرفه كثير من الناس عن الحياء.

 لكن الحياء في الإسلام له معنى أعلى وأسمى وأفضل من ذلك، فهو من أعظم أخلاق الإسلام بلاريب. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء )) وهو مشتق من الحياة، وهو أعز مافيها ،وعلى  قدر حياة القلب تكون فيه قوة الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح فكلما كان القلب حيا كان الحياء أتم ، وهو خلق في النفس يبعث على فعل الحسن ، وينفر من إتيان القبيح مراقبة لله عزوجل، وخوفا منه ،وحذرا من الوقوع في شبهة استبراء للعرض من القدح فيه وللدين من الذم له   وهو من صفات النفس المحمودة، وسمات أهل المروءة والشرف وعنوان الفضل والعقل، من حرمه حرم الخير كله، ومن تحلى به  ظفر بالعزة والكرامة، ونال الخير أجمع ؛لأنه رأس مكارم الأخلاق، وزينة أهل الإيمان، وشعار الإسلام فهو الخلق الذي يحثّ صاحبه على فعل الجميل، ويمنعه من التقصير في حق صاحب الحق وهو من أعلى مواهب الله للعبد. 

وهذا  الإمام الجنيد رحمه الله تعالى، وهو عالم صوفي معتدل، يزن الأمور والأحوال بميزان الشرع ويعتمد في منهجه على كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يصف الحياء عند الإنسان فيقول : ((أن ترى نعم الله عليك وترى تقصيرك في شكر هذه النعم فتتولد لديك حالة تدفعك إلى الإقبال على الله عز وجل والخوف منه حياء أن يراك على معصية )) فهو خلق الكرام، وشيمة الأخيار،  ودأب الصالحين الأبرار، وهو مانع عن الرذائل كلها، وهوخير كله كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجميع الفضائل تنبع منه، وكل الصفات الطيبة تعود إليه، فهو أساسها ومصدرها، ولذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبة من شعب الإيمان، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان بضع  وسبعون شعبة أعلاها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطةالأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )) وكونه صلى الله عليه وسلم يخصه بالذكر بعد أن ذكر أفضل الشعب وأدناها يدل على عظيم شأنه وعلو مكانته، ولاعجب فهو خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي تحلى به طوال حياته كما يقول واصفه : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرف في وجهه )).

وقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلا يعظ صاحبه في الحياء فقال له:(( دعه فإن الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار ))،والحياء في الحقيقة مرتبط بالإيمان فهما يسيران في خطين متوازيين إذا رفع أحدهما رفع الآخر. 

وللحياء أسس ومظاهر أجملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الجامع، وهو يعظ أصحابه الكرام رضي الله عنهم قائلا : ((استحيوا من أهل الله حق الحياء، فقالوا :يارسول الله إنا نستحي والحمدلله ،قال : ليس ذلك إنما الحياء م  أن تحفظ الرأس وماوعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى من فعل ذلك فقد إستحيا من الله حق الحياء)) . وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم فما الإنسان إلا رأسه وبطنه تجتمع فيهما حواسه وشهواته وتتحرك  منهما ميوله ورغباته، وتبدأ منهما خطواته، ففي الرأس العقل وهو أجلّ نعمة منحها الله عزوجل للإنسان حتى يمكنه التمييز بين النافع والضار فيسارع إلى فعل ماينفعه واجتناب مايضره، وحفظ العقل يكون بالبعد عن التفكير والإعداد والتخطيط لما يضر بالآخرين، ويؤذي عباد الله ، ويكون بإجتناب المحرمات وعدم احتساء الخمور وتعاطي المخدرات.  

 وحفظ السمع بالإعراض عن سماع ما يغضب الله عزوجل من قبيح القول و اللغو والافك والضلال ، ويكون سماعا للخير وطيب الكلام.  

وحفظ البصر بصرفه وتوجيهه إلى آيات الله في الكون للنظر والاعتبار، وغضه عن محارم الله فالنظرة الحرام سهم من سهام إبليس اللعين من غضها خوفا من  الله عزوجل رزقه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه كما جاء في الحديث الشريف.

 وحفظ اللسان بعدم النطق بغير الحق والابتعاد عن سيئ الكلام، وفاحش القول.

 وحفظ البطن وأوعيته شرابه وطعامه فلا يأكل إلا حلالا والاعتدال كذلك في تناول الحلال والبطن يحوي الفرج أيضا وهو أخطر جوارحه فلا يقرب به حراما .

 فإذا حفظ الإنسان ماوعت رأسه، وماحوت بطنه ، وما اشتمل عليه جسده من جوارح وصانها عن فعل الحرام والعبث والفجور، ووجهها إلى الخير والصلاح والنافع في الدين والدنيا، وابتعد بها عن مايضر فقد أرضى ربه ووقف بها عند حكمه وأحسن شكره لنعمته فيكون بذلك  العبد الحيي الرباني النوراني. 

ورسول الله العظيم ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم يبين لنا في حديثه الشريف مايعين الإنسان على حفظ هذه الأشياء ويسهل له أمر قيادتها والسيطرة عليها ليتحلى بخلق الحياء فدعاه إلى تذكر الموت ففي ذكره والتفكر فيه تبصير بالمصير الذي ينتظر الإنسان والمسير الذي ينتهي إليه العالم كله وتنبيه بالغاية التي يذهب إليها كل مخلوق فمن أيقن بالأجل المحتوم زود نفسه بالحياء والتقوى التي هي خير زاد وتذرع بالإيمان والعمل الصالح، ومتى وضع الإنسان نصب عينه أن كل نعيم لامحالة زائل، وأن كل شئ ماخلا الله باطل فقد سخر من الدنيا وزهرتها وآثر الآخرة على الأولى وزينتها، وجعل همه من دنياه أن تكون مزرعة لأخراه فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله تعالى حق الحياء. 

ويكفي الحياء فخرا وعظمة وإجلالا أنه من صفات الله عزوجل، وقد صح في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم  :((إن الله رحيم حيّي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه ثم لايضع فيهما خيرا )).

 وهو خلق الأنبياء والصالحين فهذا سيدنا موسى عليه السلام يسقي لابنتي الرجل الصالح ثم يتولى إلى الظل وهو الشاب اللاجئ الغريب الفار من بطش الظالمين، لكن لم يفارقه خلقه الفاضل  وحياؤه الأصيل، الذي جعله يتكلم مع المرأتين بقدر الحاجة حياء وأدبا فلم يطمع فيهما ولم ينظر إليهما بسوء وريبة . ويوسف الصديق عليه السلام تعرض عليه الخطيئة فيأباها حياء من ربه ومراقبة لمولاه قال :((معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لايفلح الظالمون)) .

نستطيع القول بأن الإنسان إذا فقد الحياء فقد كل شئ ضاعت مكانته،  وذبحت كرامته، وماتت نخوته ، ودنس شرفه ،وفقد مروءته، بل يمكن القول بفقد الإنسان للحياء فقد إنسانيته، وأصبح في مرتبة أقل من الحيوان ولاعجب فلقد عاب الله عزوجل على أهل الكفر والضلال فذمهم وقبح شأنهم لعدم حيائهم ومبارزتهم لله عزوجل بالمعاصي فقال سبحانه : ((والذين كفروا يتمتعون ويأكلون  كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )).

فإذا رأيت من الناس من خربت ذممهم، وفسدت ضمائرهم، وضلت أعمالهم، فهذا دليل واضح على فقدانهم الحياء، وإذا فقد الإنسان الحياء توقع منه فعل كل رذيلة وشر وفجور فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((إنه مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت )).

فالحاكم الذي يغدر بمن أمنه ويخون أمته ، ويخدع شعبه، ويغتصب السلطة، ويتحكم في رقاب العباد، ويخرب البلاد فعل ذلك وغيره لأنه عديم الإيمان فاقد الحياء، ومن أيده وعاونه وهو يعرف خيانته وفجوره فهو شريكه في الفساد والضلال وعلماء السلطة ووعاظ الشرطة وفقهاء السوء الذين يضللون الناس وينافقون السلطان الظالم ويزينون له سوء فعله انعدم الحياء لديهم. 

والمروجون للزيف والباطل والأكاذيب والضلال المسيطرون على وسائل الإعلام من المعدين للبرامج والمذيعين والمخرجين الضالين المضلين هم وكل من شارك معهم وعاونهم في نشر الإفك والكذب والتلبيس على الناس وترويج الفساد  ليس لديهم ذرة من الحياء .

والمرأة التي تخرج من بيتها متبرجة متهتكة لتلفت اليها الأنظار، وتثير الفتنة في نفوس الرجال ليس عندها حياء وولي أمرها إن رضي لها بذلك ووافقها فهو كذلك عديم الحياء.

  والذين يجاهرون بالمعاصي دون خجل المفطرون علنا في نهار رمضان بغير عذر ولارخصة،  واللصوص والمرتشون والغشاشون وغيرهم من مرتكبي الحرام علنا دون رادع من دين وضمير هؤلاء جميعا انعدم لديهم الحياء .

والمرء إذا فقد الحياء لاخير فيه مالم تتداركه رحمة الله عزوجل وهدايته فيثوب  إلى رشده ويعود إلى ربه. 

وإذا كان كثير من الناس يستحيون من الأقوياء فقط، ويخافونهم فلا أقوى وأجل  من الخالق العظيم عزوجل فهو الأولى والأحق بالخشية والرهبة والإجلال والتعظيم  والحياء منه سبحانه وتعالى لأنه أمر واجب .

ونحن المسلمين والحمد لله بالإسلام، سمونا وعلونا ، ولنا - بفضل الله عزوجل-  شخصيتنا المتميزة ومقوماتنا الحية القوية وتقاليدنا العريقة الطاهرة التي ينبغي أن نتمسك  بها ومن الشرف والكرامة و الحياء أن لانتخلى عنها حتى تعود لنا مكانتنا الضائعة وعزتنا الغائبة وتعرف الدنيا لنا حقنا وقدرنا .

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لايصرف عنا سيئها إلا أنت .

وارزقنا ربنا الأدب معك، والحياء منك؛ إنك على ما تشاء قدير.

  وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين