
العبارة الشهيرة لكارل ماركس :" الدين أفيون الشعوب " ليست عبارة من وحي الخيال ولكنها صدى لبعض الواقع .
عبر التاريخ وظفت السلطة الزمنية الدين لخدمة أغراضها ، بل وتحالفت مع المؤسسات الدينية وتقاسمت معها النفوذ .
حدث هذا في الإسلام من خلال ما يُعرف بعلماء السلطان ، الذين يصدرون الفتاوى حسب رغبة السلطان ، ويحولون المعنى الحقيقي للصبر إلى الصبر على الذل ، والإيمان بالقدر إلى رضا بالواقع ، وطاعة ولي الأمر إلى عبودية للمستبد ....
وحدث في المسيحية لدرجة اعتبر فيها " ول ديورانت " في موسوعة " قصة الحضارة " أن الدور الذي لعبته الكنيسة في تثبيت دعائم الملكية في العصور الوسطى أقوى من دور الجيش والشرطة .
وكذلك إيران قبل الإسلام استغل حكامها الساسانيون سدنة النار المقدسة ( المجوس ) كجزء من منظومة الحكم .
وذهب كثير من المفسرين إلى تعريف " هامان " بأنه كبير كهنة معبد آمون .
ولكن : هل هذا هو الدين ؟
نعم ، إنه الدين الأفيوني الذي يخدر الشعوب و يريده الطغاة والمستبدين ، وكذلك يريده الحاشية المستفيدة ورجال الدين المزيفين ، ويريده أيضاً أصحاب الأهواء ، والجهلة ، والمتقاعسين عن الدور الرسالي في الحياة .
الدين الحق لم يأت لتبرير الوضع القائم ، والرضا به ، وتعبيد الناس للسلطة الزمنية .
الدين الحق هو ثورة لتحرير الإنسان وحفظ كرامته وإعلاء قيمته وتخليصه من كل أشكال العبودية والظلم .
هكذا كانت سيرة رسل الله ورسالتهم ، والتي تُوجت بالرسالة الخاتمة " الإسلام " .
دين لا يدعوا أتباعه لعدم الظلم فحسب ، بل يدعوهم لمقارعة الظالمين ، والأخذ على أيديهم ، ويُحَذر من مجرد الركون للظالمين .
دين يكره للإنسان الاستسلام للضعف والخنوع والذلة : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }
دين يكره للإنسان أن يعيش تافهاً منزوياً لا مبالياً : " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " . " من رأى منكم منكراً فليغيره ....."
دين يعتبر الساكت عن الحق شيطاناً أخرس ، ويعتبر أعلى درجات الشهادة : " كلمة حق عند سلطان جائر "
دين يرى اليأس سبيلاً إلى الكفر :{ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }
هل رأيتم ديناً ثورياً مثل هذا الدين ؟ !!!
دين يطبع نفوس أتباعه على العزة والكرامة { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }
دين حتى في ضراعته ودعائه : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل "
هذا الدين لا يتذوقه ويحيا به ويرفع رايته ويؤدي رسالته إلا نفوس ثورية ، تعشق الحرية والعزة والكرامة ، وتأبى الضيم والذل والضعف واليأس والاستكانة .
لهؤلاء الصفوة المختارة من البشر ، القلة المستضعفة القابضة على الجمر ، والعاضة بنواجذها على أصول الدين .
تأتي البشارة { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ } .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

التعليقات
يرجى تسجيل الدخول