الساحة الحلبية: الأسباب والدلالات والنتائج

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

ما تشهده اليوم الساحة الحلبية من أحداث كبيرة .. لها أسبابها ودلالاتها ونتائجها .. 

أما الأسباب فكثيرة ويكاد يعرفها الجميع .. تفرق مقيت على كافة المستويات والأصعدة  .. وغياب شبه كامل للرؤية المستقبلية الواضحة .. ناهيك عن تقاطع مصالح كبير ومعقد لدول عالمية كبرى وإقليمية مؤثرة .. ذات مشاريع وأطماع ولبعضها مصالح ولبعضها الآخر مفاسد .. والكل يريد تحقيق مراده والوصول إلى مبتغاه على حساب هذا الشعب المظلوم المستضعف .. 

كل هذه الأسباب وغيرها كثير .. أطال عمر الأزمة وأدخل الثورة وأبناءها في جدلية عقيمة لا تستطيع منها فكاكا .. ولاتعرف لعواهنها نهايات .. 

أما الدلالات فلا تنفك عن الأسباب .. بل متداخلة معها إلى حد التشابك .. فما تراه اليوم سببا تجده غدا نتيجة .. وقد تداخلت الأسباب والنتائج في بعض الأحيان .. حتى حيرت الحلماء وأرهقت الباحثين .. فمثلا مكافحة الفساد ضرورة لاستمرارية العمل .. ولا يمكن مكافحة الفساد إلا عن طريق مؤسسات .. يقوم عليها رجالات ذوو خبرة وكفاءة عالية .. قامات اجتماعية ومهنية سامقة .. لكي يتمكن هؤلاء من محاسبة أناس قدموا في الثورة ما لم يستطع تقديمه كثير ممن سواهم .. وبالتالي أصبحوا يرون لأنفسهم فضلا عمن سواهم .. ولكن وللأسف لم يتصدى للعمل في المؤسسات الثورية ذوو الخبرة والكفاءة بحجج مختلفة أغلبها واهية ولاتصمد أمام الحجة والبرهان والاستحقاق الكبير للألوف المؤلفة من شهدائنا .. والنتيجة المترتبة عن هذا الإحجام: مزيد من المشكلات، ومزيد من الارتباكات، ومزيد من الفشل والتراجع..

صورة واحدة نقدمها كمثال تلخص المشهد بكل أحداثه وتفاصيله ومشاهداته ..

 منذ أواسط شهر شعبان الماضي والمعارك على أشدها في حلب .. في بني زيد والأشرفية .. ثم الكاستللو وحندرات، وقد تحول الكاستللو إلى مسلخ حقيقي يعبره طويلو العمر .. وشبابنا يخوضون أشرس المعارك وبشكل يومي .. وقد أطبق الحصار ثالث أيام عيد الفطر .. واستمرت الملاحم مع اختلال كبير في ميزان القوة لصالح الطرف الاخر .. إلى أن وصلنا اليوم إلى ماوصلنا إليه .. 

ولقد كان من المفروض أن يتحرك العقلاء منذ فترة طويلة ليجدوا للمعضلة حلولا ومخارج  .. لكنهم لم يفعلوا واكتفوا بالكلام الإنشائي المكرور، وكثير منهم من خلف الحدود حتى وصلنا إلى ماوصلنا أليه ..

أما نحن - معاشر المحاصرين في حلب- فلن نجلس اليوم نندب فرصة مرت ولم نستفد منها .. ولن نأسف اليوم على مكسب حققته الثورة للشعب وضيعه بعض أبنائها .. لأن ماحصل من سلبيات وايجابيات، وأخطاء ونجاحات كل ذلك يشكِّل تجربة يستفيد منها من يكتب له البقاء من رجال الثورة ..

 ولن نلوم أحدا على شيء فعله لامن أحسن ولا من أساء .. فهذه المهمة مهمة المزاج العام لجمهور الثورة هو من يقيم وهو من يحاسب .. وليس من الحكمة ان يضيع العاملون وقتهم في الحديث عن أخطاء الآخرين . وبالتالي الكلُّ يعمل على شاكلته .. 

أما نحن فسنبقى حيث كنا نقوِّم عملنا ونصحِّح الخطأ ونكمل الطريق حتى نلقى الله وهو عنا راضٍ .. طالت الأيام أو قصرت ..

 وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين