السعي إلى اتفاق مع الروس على تغيير محدود في نظام الأسد

 

لا شك أن معاناة الشعب السوري قد طالت ، بعد نصف قرن من الاستنزاف الأسدي . يخطئ الكثيرون حين يظنون أن معاناة السوريين قد بدأت منذ 15 / 3 / 2011 . فعمليات استنزاف الدولة السورية إنسانيا وحقوقيا وماديا قد بدأت منذ ستينات القرن الماضي . وكان الاستنزاف الأعمق خلال هذه العقود الطويلة على مستوى الكرامة الإنسانية ، والكرامة الوطنية ، كما على صعيد الحياة العامة وعلى صعيد الثروة والفرصة ..

 

لقد استطاعت ( زمرة ) الأسد أن تحكم خناقها على سورية وشعبها بما تعهدت به على المستوى الدولي الإقليمي من دور وظيفي أحسنت الوفاء به مقابل ما حصلت عليه من إطلاق يد في أديم سورية إنسانها ومقدراتها . فلم تُسأل يوما سؤالا جديا عن كل ما تمارسه من جرائم ضد الإنسانية ، وما ترتكبه فظائع وانتهاكات . بل وامتد طيف الصفقة ( الأسدية – الإقليمية – الدولية ) وهذا الدور إلى لبنان بعد سورية . فارتكب حافظ الأسد ثم وريثه بشار من بعده من الفظائع والانتهاكات ما لو ارتكبته أي ( عصابة ) خارجة على القانون الدولي أو الإنساني لانعقد لمقاومتها تحالف دولي وراح يقصفها بالطائرات والصواريخ ليل نهار ...

 

نعم إن معاناة الشعب السوري قد طالت ، وأصبح السوريون ، كل السوريين ، يتساءلون : آما لليل هذه المحنة من آخر ؟! أما لشفق هذا القتل المضرج بدماء الأطفال والأمهات من صباح ؟! يتساءل السوريون وهم يتطلعون حولهم إلى كل الآفاق فيسمعون ؛ التهديدات الإيرانية بالسحق ، والحزبلاوية بالحرب الوجودية ، كما يسمعون من الروسي المزيد من الوعيد والتهديد وفي أفضل كلام دولي وإقليمي ، سمعه ويسمعه السوريون ممن سموا أنفسهم ( أصدقاء الشعب السوري) ، وعد بحل ( سياسي ) ما زال الحديث عنه يقرع آذانهم منذ أكثر من أربع سنين ..

 

ومع أن السوريين لم يطلبوا أكثر من حل سياسي يجمع أطراف المعادلة السورية المجتمعية ، ويضع ميثاقا وطنيا لعقد اجتماعي جديد ، يذهب بالسوريين إلى دولة مدنية حديثة تضم تحت جناحيها الجميع ؛ إلا أن المنادين بالحل السياسي في سورية لا يزالون مصرين على إطلاق يد المجرم القاتل في أديم الشعب السوري ، مبيحين له أن يستخدم كل أنواع الأسلحة التي تصل إليها يده بما فيها تلك المحرمة دوليا ؛ لكسر إرادة الشعب السوري ، وسد طريق التغيير الحقيقي في وجهه ، ودفع شبابه وأبنائه إلى طريق العنف والتطرف والانتقام .

 

 ويوما بعد يوما يكتشف الشعب السوري أن الإرادة المبيتة وراء العنوان البراق ( الحل السياسي ) تضمر الإبقاء على ( النظام الوظيفي ) نظام الزمرة الأسدية ، الذي تقلد جملة من الوظائف الدولية والإقليمية ، ولن يقبل أي حكم سياسي وطني التعهد بها ... وأهم هذه الوظائف ما يتعلق أولا بإخراج السواد العام من الشعب السوري من معادلة القرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي ، لمصلحة هوامش ترى دول الغرب مصالحها الأساسية مرتبطة معها . ثم في الحفاظ على نوع من الاستقرار الإقليمي كما تراه الولايات المتحدة وحلفاؤها متمثلا في أمن إسرائيل بشكل خاص .

 

ومن متابعة هذه المواقف في أفقها العام ظل الحديث عن ( الحل السياسي ) في سورية غائما ورجراجا ومضللا أيضا . ففي الوقت الذي تستمر فيه معادلة القتل بشكل غير مسبوق في امتدادها الزمني ، وفي الوقت الذي يخرق فيه حاكم ما يزال له ممثل في النادي الدولي كل المواضعات القانونية والإنسانية ، وفي الوقت الذي تتدخل دول عديدة في معادلة الصراع في سورية متجاوزة ومتحدية القانون الدولي ؛ يدير المتحدثون عن ( الحل السياسي ) ظهرهم للمشهد الدموي النازف ، دون أن ينسوا دائما تضليل القوى السياسية والثورية في سورية بالتذرع عليهم ، ومطالبتهم دائما بتقديم التصورات والتنازلات وأشكال من شهادات حسن السلوك .

 

حتى بات الكثير من أهل الغفلة من المنخرطين في فضاءات العمل السياسي يتبارون بتقديم ( التصورات ) و( المبادرات ) لشكل المجتمع والدولة التي يحلمون بها ويسعون إليها ، وكأنهم أصحاب حلم يحلمون بمن يفسره لهم كما يشتهون .

 

لقد كان واضحا وذا مصداقية عالية ومطابقا بدقة لواقع الحال ما نقلته بالأمس الأندبندت البريطانية عن الدول الصناعية السبع المجتمعة في ميونخ من أنهم ناقشوا خططا لرحيل الأسد ، يمكن الاتفاق عليها مع الروس ، الاتفاق على حل يقوم على ( رحيل الأسد مع تغيير محدود في نظام دمشق ) ونضع تحت عبارة تغيير محدود سبعين خطا ...

 

ليقرأه بإمعان الذين ما زالوا يعدون المبادرات من المهوّمين في فضاءات الحل الدول ، والضمانات الأممية ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين