الشرور والمصائب والمشيئة الإلهية  -1-

-1-

 كتب بعضهم كلمات عن أقدار الله تعالى، وهي في خلاصتها خلطة رهيبة من الإطلاق الذي تناول كاتبها ركنا من أركان الإيمان : القدر !!! وقد ذهب إلى تحديد معناه من حيث فهمه الذي لم يستوعب الفرق بين حرية الإنسان ومسؤوليته ، وبين ما تعلق به علم الله أزلا ، وخصصه بإرادته ، وأبرزه بقدرته ، وسأفند بعضا مما قاله بالدليل .

 حقا نحن في محن لا في محنة واحدة..

 

 وباختصار : كلام لا علاقة له بالموضوع إلا من خلال الجهل بمعنى القدر، والجهل بمواقع الآية، والجهل بالإرادة الكونية والشرعية، والجهل بالآيات التي تناولت القضية ، والجهل بمسألة الكسب وما هو من علم الله وإرادته وتعلق قدرته ، والجهل بتعلق القدرة والإرادة،  وبكلمة موجزة : كلام من الجهل السميك الجهل ومركبه !!!!

 

سأجمل معنى القضاء والقدر في خاتمة الرد، لعل من جهل المعنى فعاث في المجال بغير هدى يعلم.

 

كثير من العبارات ملتاثة المعنى، أو ضالة عن الصواب ، ومن المجموع يتبين أن الكاتب في ذهنه كلمات دون بصيرة بمراميها ، والدليل ما يلي:

 

قال الكاتب: " أقدار الله في هذا الكون تحكمها مشيئته في خلقه ومخلوقاته".

 

- ما الذي أراد من كلمة " أقدار " وقد جعلها محكومة ؟ وما معنى تحكمها ؟

 

وقال : " وهذه الأقدار لا يمكن أن تكون مجهولة ، فسننها التي تحكمها ليست عصية على الفهم لمن أراد ذلك"

 

- عن أي أقدار يتكلم هذا ؟ وما معنى أنها ليست مجهولة ، وما العلاقة بين الأقدار وسننها ؟ وما معنى سننها ؟ وهل الأقدار محصورة بهذه السنن ؟ 

 

وإذا كانت جملة حقائق الكون كانت مجهولة ، ثم تتجلى للناس تباعا ، إذا سلمنا أن الأقدار هي السنن الكونية ، فبم يفسر جهل الناس من قبل ببعضها ؟

 

وقال : " وليست عصية عن التنبؤ  لمن سلك طريق العلم ، العلم الحقيقي الذي يفتح مدارك العقل ومنافذ الإحساس على الحقائق ، وليس العلم  الذي يزداد صاحبه جهلا بالله وسننه. 

 

- قال هناك: غير مجهولة، وهنا:ليست عصية على التنبؤ !ثم عطف على العلم فقسمه إلى حقيقي وغير حقيقي، وحصر الحقيقي بوسائل الإدراك، وما المقصود بالجهل بالله في نظر الكاتب ؟

 

قال الكاتب:" أقدار الله خاضعة لعالم المشيئة الذي لا يحابي أحدا حتى ولو كان ملكا مرسلا او نبيًّا من أولي العزم"

 

- ما الذي أراد بعالم المشيئة ؟ وما مراده بأنه لا يحابي ؟ إنها عبارات لا تقوم على ساق!!

 

قال:" وهي ناشئة كلها عن الله ( قل كل من عند الله ) .

 

ما الذي يفهم من " كلٌ " وما المقصود به ؟ ولِمَ نقض الكاتب معنى " كلٌَ " بعد كلمات؟!!

 

قال: الله الذي لا يريد بأقداره التي شاءها إلا الخير للإنسان  ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) الخير فحسب.

 

لم أغمض عن مثل قوله- تعالى- : {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} و {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} و {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}!!

 

قال: " أما الشرور والقتل والتهجير والتشرد والتشرذم وفقدان الآباء والأبناء والأهل والأرض والمال فلا يمكن أن  تكون قدرا بمشيئته سبحانه!!!؟

 

- لو عقل معنى المشيئة وعملها، وأنها غيب مطلق حتى تظهر، ولو فهم معنى الله خالق كل شيء، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} وأن هذا لا يلغي الاختيار الذي يترتَّب عليه التكليف ، لما كتب حرفا من هذا !

 

 ثم قال:" بل حدوث ذلك هو قدر نتج عن مخالفة تلك  المشيئة { وما أصابك من سيئة فمن نفسك} .

 

لو وقف على الآية كاملة لما قال هذا ، ولو رجع إلى أقوال العلماء الثقات لما تنفس بحرف مما تنفس ، فالآية {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

 

إن الكاتب ذهب بعرضه مذهب من أنكر النص عليه جملة وتفصيلا لو عقل ، لاحظ { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } والحديث عن التفرقة بين مصدر الحسنة والسيئة، ولاحظ {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا} فهو نعي على أمثال الكاتب ، وأما بقية الآية فتثبت أن السيئة يعاقب عليها، والحسنة يثاب عليها من باب إثبات الكسب والاختيار !

- كيف يقول هنا : قدر نتج ؟ وما المقصود بمخالفة المشيئة ؟

 ثم قال: " وهي النقطة المهمة التي لابد من التركيز عليها في فهمنا لمجريات الأمور.

- لو كان  يدري " النقطة " وأنه جعلها قدرا، ويدري ما يكتب لصحح كثيرا من جمله وإطلاقاته !

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين