الشرور والمصائب والمشيئة الإلهية -2-

 

قال الكاتب :( وهذه الأقدار لا يمكن ان تكون مجهولة ، فسننها التي تحكمها ليست عصية على الفهم لمن أراد ذلك ، وليست عصية عن التنبؤ  لمن سلك طريق العلم ، العلم الحقيقي الذي يفتح مدارك العقل ومنافذ الإحساس على الحقائق ،وليس العلم  الذي يزداد صاحبه جهلا بالله و سننه )

 

قلت :وهذا خطأ شنيع  فأقدار الله كثير منها غيبي تدخل في مفهوم الابتلاءات التي  لايعرف الإنسان  سببها  وحكمتها كمن أصابه سرطان  لاكسب للانسان فيه أو خسرت تجارته بسبب الحرب التي لايد له فيها أو ماتت زوجته لسبب غير معلوم  وهكذا أقدار المصائب التي تغيب الحكمة منها ليتم الابتلاء: أيصبر عليها المؤمن  أم  لايصبر؟

 

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة:155) 

 وقال عليه الصلاة والسلام: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"  رواه البخاري.

  وقال :" لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" إلى آخر ذلك من النصوص التي تصرح بأن أقدار الله من الغيب الذي استأثر الله بعلمه وحكمته وهذا لايتنافى مع  وجوب السعي والكسب  والتعلم  ... لأنها من المأمورات وترك المنكرات لأنها من المنهيات، ويترتب على المخالفة مسؤلية تقصيرية يحاسب المخالف عليها في الدنيا والآخرة  أو في إحداهما  ويتنوع العقاب الذي لايعلم  طبيعته وتوقيته إلا الله

 لذلك خلط الكاتب بين  القدر القاهر والغيبي الذي يسأثر الله  بعلمه وحكمته وبين عالم الأسباب  الذي أمر الله بعلمه وتسخيره ليقوم الانسان بوظيفته في إعمار الأرض وتنمية الحياة.  

 قال الكاتب: "إن الإشكالية الحقيقية تكمن في نسبة الخير والشر،النعم والمصائب لله ومشيئته وأقداره في كثير من أعمالنا وأفكارنا، ومن هنا يبدأ طريق الاعوجاج".

 - لو كان يمتلك الحقيقة بادلتها ، لكان له أن يقول : الإشكالية ..." أما وهو لا يدري معنى النسبة الصحيحة، بل يرى النسبة الخطأ هي الصحيحة كما يحلو له، ويظن أنها من الخطأ الفاحش على ما بيَّن ، فهو دليل على أنه قد جانب الصواب ، وخالف السنة والكتاب.

 قال: فبدلا من أن يبحث الإنسان عن نتائجه الخاطئة فيقومها ويصوبها لعلمه أن الله لا يمكن إرادة الشر لخلقه

 - من قال له: إن الإنسان لا يبحث النتائج ، وقد تناول القرآن من المواقف ما يرشد إلى ترشيد النظر في النتائج ، ففي غزوة أحد جاء ذكر البداية، وجاء ما آل إليه أمر الغزوة ، وأنه كان بكسب ممن كانوا على جبل الرماة {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } والحق أن الكاتب لو فهم الذي جاءت به الآية لحذف كل ما زيَّف من علم ! ولا أدري بعد الفحص من أين أتى الكاتب بهذا التعليل الفاضح ، أم أنه استجلبه من وهم مهيمن عليه ، ليبرز ما في ذهنه من التصور للقدر؟

 قال:" ينسب الشر لأقدار الله وإلى الله نفسه بشكل مباشر او غير مباشر ليساهم في تحريف أية قرآنية يرددها لسان حاله قائلا :{وما أصابك من سيئة فمن الله} كذلك !!؟

- ليس صحيحا ما زعم من نسبة الشر لله، وحيث يجلي التصور يقول : قدر الله وما شاء فعل !! وما أدري ماذا يقصد بنسبة الشر لله نفسه بعد أن قال : للأقدار ؟! ثم ذكره جملةً من الآية تدليس ، وجهل بمعناها

قال:" فيقعد منتظرا نتائج من الوهم يرسلها الله له بصفته هو صانع تلك المصائب و مقدرها !!! وهو المسؤول عن كشفها!!

- من أين أتى بهذا الوصف، ولو فرضنا أنه هو يفعل ذلك لجهله قبل الاهتداء إلى العلم الجم بالقدر، فلم يعممه على ابيه وأخيه وعشيرته والناس أجمعين ؟!!

قال:" في فهم سقيم لا يمكن أن يستقيم إلا في العقول المنفصمة التي تسلك اتجاهين متعاكسين في نفس اللحظة ، فتنسب الى الله الخير و الشر"!!

- أرجو ممن له فهم أن يحلل معنى هذه الخلطة من الكلمات ، وبخاصة " المنفصمة " التي وجدتها درة في ...

ثم قال: " إن النتائج المدمرة والقاتلة والمشردة لا يمكن أن تنتج  عن امر الله وتصريفه، بل هي نتيجة لخطأ في التصور والفكر والعمل ، وعندما ننتظر نتائج إيجابية وانتصاراً من أفكار وأعمال تخالف المشيئة الإلهية فحالنا هي كحال الذي ينتظر ماء  من سراب".

- ما معنى هذه الكلمات التي رصها في سلك واحد" المدمرة والقاتلة والمشردة "؟! وهل هي جمل أراد الكاتب أن يكتبها دون استحضار معنى لها محدد ، فجاءت على ما ترى!

وختم مقالته بقوله: " ما حدث لنا سابقا  وما يحدث في بلادنا هو نتيجة حتمية لمخالفة مشيئة الله، وليست إرادة من الله كما يحلو للبعض أن يصورها، والنتائج الكارثية التي حلت وتحل كل يوم في ازدياد  ، والمستقبل لن يكون مشرقا إن لم نسارع إلى التغيير الحقيقي الكامل، التغيير وليس الترقيع ، والبداية تكون بقلب الأفكار التي نتشبث بها رأسا على عقب ، عسى الله بعد ذلك أن يبدل  ذلنا اليوم بعزة غدا ".

- هل يدرك الكاتب معنى " لمخالفة مشيئة الله " وما مظهر المخالفة، وهل يعني هذا أن الله لا يخلق شيئًا من هذا الكون كما يسوق له الكاتب !

- فهمنا قوله على مضض " لمخالفة مشيئة الله" ولكن ما معنى " وليست إرادة من الله " ؟!!

عجيب هذا التناقض في سطر واحد!!

- عن أي تغيير يتحدث هذا حين يقول : " نسارع إلى التغيير الحقيقي الكامل "؟!!

- قال : " والبداية تكون بقلب الأفكار التي نتشبث بها رأسا على عقب ".

كم يكون منصفا لو بدأ من نفسه، فأبعد عن التصور هذا الطرح الملتاث!

- قال: " عسى الله أن يبدل  ذلنا اليوم بعزة غدا " لا علاقة لكل القضية المطروحة، ولا لبعضها بمسألة العزة، والكاتب يريد أن يصرف الأفكار عن أسباب الذل الحقيقة التي لا أستبعد أنه يعرفها جيدا!

- سيأتي لاحقا بيان موجز لمعنى القدر عند علماء الأمة الثقات المؤهلين لمثل هذه القضية الهامة.

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين