الصحابة يبيِّنون معنى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}

روى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم، عن قيس بن أبي حازم قال: "قام أبو بكر الصديق، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لا يَضُركُمْ مَنْ ضَل إِذا اهْتَديْتُمْ} وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ".

وأخرج ابن جرير هذه الحادثة بألفاظ أخرى عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنكم لتتلون آيةً من كتاب الله وتعدونها رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها: {يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. والله لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيَعُمَّنَكُم الله منه بعقاب.

وروى الترمذي وابن ماجه وآخرون عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تضع هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قال: قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. قال: أَمَا والله، لقد سألتَ عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتَ شُحاً مُطاعاً، وهوىً متَبَعاً، ودنيا مؤثَرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام. فإن مِن ورائكم أيام الصبر، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم.

وأخرج ابن جرير عن جُبَيْر بن نُفَيْر قال: كنت في حَلَقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لأصغر القوم. فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت: أليس الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فأقبلوا عليّ بلسانٍ واحد، فقالوا: أتنزع آيةً من القرآن، لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلامٌ حدث السن، وإنك نزعت آية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان. إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متَّبَعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضلَّ إذا اهتديت.

وأخرج ابن مردويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله، إلا ضربهم الله بذل، ولا أقر قوم المنكر بين أظهرهم إلا عمَّهم الله بعقاب ".

ثم قال أبو بكر: وما بينكم وبين أن يعمَّكم الله بعقاب من عنده، إلا أن تأولوا هذه الآية، على غير أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر: {يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُركُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قال: إذا ما أطاعني العبد فيما أمرته من الحلال والحرام، فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به.

وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوله: {لا يَضُركُمْ مَنْ ضَل إِذا اهْتَدَيْتُمُ} قال: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر.

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: إذا أمرتَ بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرُّك من ضلَّ إذا اهتديت.

ولنا وقفة مطوَّلة قادمة مع ما توحي به هذه الآية، نصوِّب فيها بعض ما يفهمه الناس منها بعون الله تعالى.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين