العالم الأديب الشيخ نجم الدين الشهيد

العالم الأديب الشيخ نجم الدين الشهيد

(1292هـ/ 1875م- 1368هـ / 1948م)

 

مقدمة

إنّ من بِرّ الْعُلماءِ العَامِلين وحَقِهم علينا، أنْ نَقْتَفِيَ مَعالِمَهُم ونُظْهِرَ آثارَهم، ونُبَيِّنَ للنَّاس ما أُشرِبَ في قُلوبِهم، وأُكِنَّ في صُدُورِهم من عُلومٍ ومَعَارفَ، وخُلُقٍ وآدابٍ.

ممّا دفعني لكتابة هذا المقالِ أمرين اثنين؛ أولهما استجابة لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ] ،وثانيهما ما كُتب عن ترجمة هذا العَلَم الفَذ و التباس الأمر مع ترجمة والده .

أودُّ الإشارة إلى أنَّه منذ عقدين من الزمن دفعتُ للأستاذ الفاضل محمد عدنان كاتبي لمحة عن حياة الشَّيخ نجم الدين الشهيد اقتَبَستُها من ولدهِ الأستاذ المحامي إبراهيم أدهم الشهيد الذي كنت أرتاد مكتبه لتسمو نفسي بسُمُو أدبه ورِفعة خُلُقِه وغزارة علمه، وذلك بُغية نشرها في كتاب كان يشرع في إعداده " علماء حلب في القرن الرابع عشر" لكن الأستاذ كاتبي أرجأ نشر ترجمته إلى الجزء الثاني من هذا السِّفر القيِّم.

 

· مولده و نشأته

هو الشَّيخ نجم الدين بن الشَّيخ أحمد بن الشَّيخ شهيد ، ولد بـ " دارة عزة" من أعمال حلب عام 1292هـ/ 1875م ، من أسرة عُرفت بالعلم والفضل ، وتضوَّع في بيتها الشعر والأدب.حيث تلقى مبادئ العلوم طلباً ومنهلاً على والده الأديب الشاعر الشَّيخ أحمد الشهيد المتوفى سنة 1345هـ /1926م ، الذي كان مُدرِّساً بالجامع الأموي الكبير بحلب ، وأحد مَُدرِّسي المدرسة الرضائيَة العثمانيَّة ، ومفتي قضاء حارم ، وقد أرَخ الشَّيخ أحمد منارة حلب" ساعة باب الفرج " التي كَمُلتْ عمارتها عام 1317هـ/1898م بأبيات من الشعر قُرِّظت على صرحها مطلعها:

أنشأ لنا الملك الحميد مآثراً....

عَظُمَتْ صناعتها وأي صناعة

حامي حمى الدِّين المكين ومن له....

أصبحت سلاطين الورى أتباعه

 

· تحصيله العلمي

رحل المُتَرجَم إلى مصر لطلب العلم في الأزهر الشريف وكان ذلك بعام 1310هـ /1891م حيث حضر دروس كبار علمائها وفي مقدمتهم الشَّيخ محمد عبده، وكان من زملائه في طلب العلم الأديب الحلبي الشَّيخ بدر الدين النعساني ، وبعد أن أتَمَ دراسته بحصوله على الشهادة من مشيخة الأزهر عاد إلى موطنه دارة عزة عام 1318هـ / 1897م .

 

· وظائفه

لم يجد الشَّيخ، رحمه الله تعالى ، بموطنه الأم عملاً يتكافأ مع شهادته العلمية ، فعُيِّن معلما في قرية عنجارة ، ولمّا لم يكفِ راتبها بنفقات عائلته ، استقال منها ، ومارس أعمالا تجارية حُرَّة تنهض بنفقاته ، وأقام على ذلك بضع سنينن.

ولمّا أحيلَ والدُهُ على التقاعد من وظيفة الإفتاء بحارم ، ذهب يُطالب بتعيينه خلفاً لوالده متأديا بشهادته الأزهرية ، وزاحمهُ إليها منافسون لايحملون شهادة ، ولا يحاكونه كفاية . وجرى انتخابه لها سنة 1922 م وأقرَّه على منصب الإفتاء السيد مصطفى برمدا الحاكم العام لدولة حلب عام 1923م . انصرف رحمه الله تعالى فور تعيينه إلى عمله ، ونهض به نهضة رجل معتمد على الله ، واثق بنفسه ، وبكفايته العلمية ، وضميره الحر ، ثم أنيطت بعهدته إدارة أوقاف حارم أيضاً ، فصمد أمام طمع الطامعين بأموال الأوقاف ، ولقي منهم عنتاً ومضايقات ، ولكن لم تلن له قناة في مقاومتهم ، ولم يزحزحه عن أمانته ومبادئه تهديد ولا وعيد.

 

· مؤلفاته

كان ، رحمه الله تعالى ، يُؤرخ كلَّ فتوى شرعية تصدرُ عنه ، ويُسجِّلها مع تسميةِ طالبها ، ومع ذكر سندها الفقهي ، وقد دُوِّنت هذه الفتاوى بخمسة أجزاء أسماها " الفتاوى الشَّهيديَّة " ، وقد بلغَ عددها قبل عشرة أيام من وفاته " 3642" فتوى ، وهي غير مافاته تدوينه منها ، مدة قيامه بمهام الفتوى وهي خمس وعشرون عاما ، ولو أنها طبعت لكانت أثرا قيما من التراث الفقهي ، ومرجعاً متينا فيه لاتقلُّ عن باقي كتب الفتاوى المعتمدة ، وهي غير ذلك، تصوِّر الحالة الاجتماعية ومشاكلها الحقوقية بين الأفراد في زمن صدورها .،وكان إلى جانب انصرافه بكليته إلى الفقه ، كان أديبا مترسلاً شاعراً ، يكتب الرسالة بأوجز الكلمات وأفصحها ، وأبلغها وأحسنها صياغة ومعنى ، وقد يستعمل الكلمة العامية إذا كانت أوفى بتأدية المعنى ، يكتب كل ذلك بخط جميل قلَّ من يحاكيه فيه من فقها زمنه .

 

· وفاته

توفي بموطنه بدارة عزة في محرم 1368هـ ، والموافق تشرين الثاني 1948م ، وهو ما يزال قائما بوظيفته ، ودفن فيها.

 

· أولاده وآثاره

أعقب الشَّيخ رحمه الله ستة ذكور هم الشَّيخ أحمد، الأستاذ المربي محمد فائق ، الأستاذ المحامي إبراهيم أدهم ، الأستاذ الدكتور عبد الله واثق ، الأستاذ حسين كمال ، السيد محمود رحمهم الله تعالى وأغدق عليهم سحائب رحمته .

كما ترك ، مكتبة زاخرة بأمهات الكتب في الفقه الحنفي ، ونوادر الكتب الأدبية واللغوية مطبوعة ومخطوطة.