العيد والعمر وحسن الخاتمة

 

اتصل بي صديق عزيز مهنئاً بالعيد، قلت له: أما اتصلت بي أمس؟ قال: أمس؟ لا أذكر. قلت: بلى، اتصلت أمس مهنئاً برمضان، واليوم تتصل مهنئاً بالعيد! أما تحسّ مثلي أن رمضان انقضى وكأنه يوم وليلة؟

 

ما العمر؟ ما الحياة؟ إنني أنظر اليوم إلى حفيدي يحبو على الأرض فأتذكر أباه وكأنني أراه يحبو منذ أيام قليلة. كيف مرّت هذه السنون الثلاثون؟ كأنها أيام! وكأن ثلاثين قبلها -مضت منذ وُلدت- أيامٌ أُخَر. منذ وقت قريب كنت مع رفاق المدرسة نروح إليها ونغدو منها كل صباح ومساء، ومنذ وقت قريب تخرجت في الجامعة ثم تزوجت وجاء الصغار...

 

ثم انقضت تلك السّنون وأهلها   ***   فكأنها وكأنهم أحلام

 

أحلام، صدق أبو تمام. الدنيا كلها منام، ثم يرنّ المنبّه ذات يوم فنستيقظ ونكتشف الحقيقة: الدنيا منام وأحلام وأوهام، وما بعدَها هو الحياة الحقيقية الباقية.

 

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". ما أعجبَ هذا التصويرَ وما أصدقَه! الحياة كلها كأنها منام ليلة، ولن يعرف النائم أبداً أنه نائم إلا إذا انتبه من نومه، عندها يدرك أن ما كان فيه من نعيم وعذاب وهناء وشقاء لم يكن سوى منام عابر.

 

هذه هي الدنيا، رحلة قصيرة لا قيمة لها في جنب عالم البقاء والخلود: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لَهْوٌ ولعب، وإن الدار الآخرة لَهي الحَيَوان لو كانوا يعلمون}.

 

اللهمّ إنا نسألك حسن الخاتمة والوفاة على الإيمان. اللهم أحيِنا مسلمين وتوفّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غيرَ خَزايا ولا مفتونين. قولوا آمين، وكل عام وأنتم جميعاً بخير في هذا العيد وفي سائر الأيام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين