الفرق بين منهجين - مجرد وصف

 

 حين بدأت قناة اقرأ عام ( 1998) كأول قناة فضائية إسلامية , كان فيها برنامجان للفتوى , واحد يبث من السعودية والآخر من مصر , حينها كشاب مراهق كنت أتعجب من هذا التشرذم ! 

لكن ( وبغض النظر عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ! ) تبين لي فيما بعد أن هناك منهجين مختلفين للفتوى :

-  المنهج الأزهري القائل : ( بالقرآن أولا والسنة ثانيا ) .

- المنهج السلفي القائل : ( بالقرآن والسنة معا ) .

 بمعنى أن المنهج الأزهري – يتبعه علماء بلاد الشام والعراق  -  يعتمد بالدرجة الأولى على القرآن ( باعتبار تواتره )، ثم من بعده على السنة ( باعتبار الحديث آحاد )  تأكيدا ، أو إضافة إن لم يوجد مستندٌ من القرآن , أو تأويل الحديث بما يوافق القرآن , لكن يظل القرآن هو الأصل والمرجع الأول .

 بينما المنهج السلفي المعاصر يعتمد عليهما معا وفي نفس السوية , ولهذا يبهرونك شيوخ السلفية بقوة محفوظاتهم من الأحاديث وكثرة سردهم لها .

    فمثلا القارئ لكتابي الشيخ محمود شلتوت ( الإسلام عقيدة وشريعة ) و ( الفتاوى ) يلحظ هذا بوضوح شديد , وليراجع فيهما مثلا قوله في حد الزنى .

 وقد يبالغ فيه أحدهم بعض الشيء - كردة فعل - مثل الشيخ محمد الغزالي في كتابه الشهير ( السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ) وقد دافع عن منهجه أصوليا تلميذه القرضاوي في فصل مستقل من كتابه ( الشيخ الغزالي كما عرفته ,  رحلة نصف قرن ) فليراجع . 

بل قد يبالغ فيه أحدهم كثيرا فينكر حد الرجم مطلقا لعدم وجوده في القرآن , كحال الشيخ محمد أبو زهرة ، وكذلك د.طه جابر العلواني في حد الردة ..

  في المقابل نجد المدرسة السلفية المعاصرة تعتمد على حديث الآحاد كاعتمادها على القرآن تماما .

 فمثلا فتوى الشيخ الألباني بشأن ترك الفلسطينيين لبلدهم ووجوب الهجرة منها , اعتمادا على تصحيحه للحديث الضعيف:  (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تتراءى ناراهما ) وترك قطعيات القرآن التي تأمر بالمصابرة والجهاد .  

 وكذلك موقف الشيخ الفوزان من دوران الأرض اعتمادا على حديث ..

 وهنا لا بد من التمييز بين الألباني الذي يتجاوز المذاهب الفقهية وتراثها  وابن باز وابن عثيمين اللذين هما حنابلة بالأساس ويهتمان بالتراث الفقهي عموما .

   طبعا سيلحظ القارئ أني أذكر الفروق الحدية بينهما , ولهذا كانت الأمثلة مما قد يعتبرها البعض خاصة واستثائية أو حتى شاذة , وذلك مقصود مني لإظهار ما يميزهما عن بعضهما البعض بشكل أوضح  .  

  والدارس لتاريخ التشريع الإسلامي وعلم الأصول , سيدرك مصدر هذا الخلاف عند المذاهب المعتبرة :

 - فالحنابلة كانت شروطهم لأخذهم بحديث الآحاد هي الأسهل فقد اشترطوا صحة السند فقط ولم يشترطوا اتصاله , لهذا قبلوا بالمرسل ..

 - يليهم الشافعية فقد اشترطوا صحة السند واتصاله , فلم يقبلوا المرسل .. 

- ثم المالكية فقد اشترطوا مع الصحة أن لا يخالف عمل أهل المدينة ( لتواتره عندهم ) فلم يأخذوا بحديث الجهر في الصلاة ( ببسم الله ) ولا السلام على اليسار ..

 - ثم الأحناف وكانوا الأكثر تشددا بقبول حديث الآحاد , فقد اشترطوا أن لا يتعلق بما تعم به البلوى ( كرفضهم حديث مس الذكر ) , وأن لا يخالف القياس الصحيح ( كرفضهم حديث المصرّاة ) , وأن لا يعمل الراوي - الذي يجب أن يكون فقيها - بخلاف ما يرويه ( كرفضهم حديث عائشة : لا نكاح إلا بولي ) ..

 ولتراجع كتب الأصول لمعرفة المزيد من الأمثلة على كل ذلك .    

   تجدر الإشارة أن غالبية علماء الأزهر كمحمد عبد الله دراز، والصادق عرجون ومصطفى الخن وعبد الكريم زيدان وصبحي الصالح وفضل حسن عباس .. هم علماء فقه وعربية , وغالبية مؤلفاتهم ودراساتهم في الفقه وأصوله والقرآن وعلومه , بينما تقل الدراسات الحديثية عندهم . 

في المقابل نجد علماء السلفية المعاصرين هم محدثون وغالبية مؤلفاتهم وأطروحاتهم الجامعية في علم الحديث , وتقل عندهم الدراسات الأصولية . 

 ولعل ما سبق الإشارة إليه يكون تطورا طبيعيا للمدرستين القديمتين :

أهل الرأي ، وأهل الحديث .

وهنا يعجبني كلام الشاطبي حين قال : " فأصحاب الرأي جردوا الرأي جردوا المعاني ، فنظروا في الشريعة بها ، واطرحوا خصوصيات الألفاظ ،

والظاهرية جردوا الألفاظ ، فنظروا الشريعة بها ، واطرحوا خصوصيات المعاني القياسية ،

ولم تتنزل واحدة من الفريقين إلى النظر فيما نظرت به الأخرى ، بناء على كل ما اعتمدته في فهم الشريعة " .

   تبقى نقطة تاريخية مهمة وهي ألا ننسى قسوة أهل الحديث على أهل الرأي !!

  هذا ما بدا لي ، والله تعالى أعلى وأعلم .

نشرت 2016 وأعيد نشرها وتنسيقها 25/7/2020

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين