الفصام الفكري رديف أعدائنا السحري

 

يعيش المجتمع السوري اليوم حالة من التخبطّ والفوضى على شتى المستويات، ولكن الأخطر منها هي حالة الفصام الفكري التي تعتريه في كل تفاصيل يومياته، والتي أخذت تتصاعد كلما طال عُمر الحرب الدائرة على أرضنا.

ويعرّف المختصون الفصام بأنَّه مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل في مجمل العلاقات الواقعية التي يعايشها.

حيث تجلّت بداياتها منذ اختلال التوازن الطبيعي للحياة التي ألفها الغافلون عن هدف وجودهم على وجه هذه البسيطة باستعلاء أهل الطغيان عليهم، وذلك بإعلان العصيان العلني على الاستبداد وجميع ممارساته التي جعلت المجتمع كقطيع من الدواب التي ذللوها لإجلالهم.

وهنا انقسم السوريون ـــ وأخص بالذكر المسلمين السنة ـــ إلى مؤيدين ومعارضين لنظام العهر في العصر الحديث.

أما المؤيدون فقد أصيبوا باضطراب أساسي في تكوين المفهوم الحقيقي لعمق إجرام هذا النظام عبر أجهزته التي تحمل الفكر الباطني، الذي يهدف إلى استئصال خيرية هذه الأمة السنية باستئصال أهلها المخلصين، فآثروا العيش تحت مظلة إلحاده رغم علمهم من خلال سماعهم ورؤيتهم لأفعالهم وأقوالهم، ولكن ضعف إدراكهم لمكره في استثماره لهم وقت حاجته، وتثاقلهم للتمسك بلقمة عيش يرزقونها في أي أرض غيرها، دعاهم للركون والارتماء في أحضانه.

وأما المعارضون الذين سلموا من مقت ذلك التفكير بانتفاضتهم وثورتهم في البداية، أصابهم فيما بعد مسّ من الأنانية في مجرى تفكيرهم، ممّا أثّر ذلك على سلوكهم الارتدادي في التعامل مع معطيات تطور الحرب، بل امتدّ تأثيره إلى اضطرابات وجدانية وعقلية بدرجات متفاوتة، تتميز بميل قوي للبعد عن الواقع وعدم التناغم الانفعالي مع مجريات أحداثها.

فعندما يسارع فصيل ما إلى الانضمام إلى فصيل آخر ويصدّر بيانه بقوله تعالى:

)إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ( تلحظ مباشرة ذلك الفصام الفكري في طريقة التعاطي مع أخطر حدثٍ أُريدَ منه الإجهاز علينا، وكأنّ هذه الآية نزلت للتو، ولم تكن موجودة إبّان سيطرة النظام على ريفي حلب الجنوبي والشمالي، حيث كان الأخير الخاصرة الضعيفة التي أحكم بها الطوق على حلب، الأمر الذي يشير إلى أنَّهم فقدوا القدرة على التفكير بشكل واضح ومنطقي ومترابط إزاء ما يدهمهم.

ومن طرف آخر نجد أناساً آخرين من الثوريين لديهم إعاقة عقلية سببه الانفصام الفكري المنتشر؛ إذ إنَّك تراه يهتف لحرية التعبير، ويقوم بنفس الوقت بالاعتداء والهجوم على الرأي المخالف.

ففي أحد الأحياء في حلب كُتِبَ على أحد جدرانها عبارة ” نعم للحرية ” بطلاء ذي ألوان زاهية، في الوقت الذي يظهر لمن يقرأها أنَّها قد غطت إعلاناً فكرياً لأحد الأحزاب الناشطة على الأرض في الثورة؛ فالطلاء لم يغطِ أطراف الإعلان، مما يدّل على عدم وعيه لمعنى العبارة التي كتبها، وكفالته المضمونة لاستمراره في بعث نظام الأسد حياً بين ظهرانينا.

وفي الحقيقة هو لا يبرح يرددها كالببغاء لفظاً وكتابة ليجاري موجة الثورة ولمّا تتعشّق من نفسه أي معنى يذكر.

حتى إنَّ معظم أفراد المجتمع الثائر باتوا يظنون بأنَّ لديهم عدة شخصيات، وتتبدل هذه الشخصيات من حين لآخر؛ نتيجة وقوعهم في الحيرة المنبثقة من تعدّد الألوية والفرق والجماعات ومنصات الإعلام، وضرورة الاختيار والاصطفاف لرأي أحدهم الذي من جهة نظرهم قد يهدف لخدمة الأمة والثورة. وفي الواقع أدَّى هذا الحال في تعدد الشخصيات التي يشعر بها الفرد إلى مرض نفسي منتشر.

إنَّنا على أبواب نصر عظيم، ويتراءى هذا النصر دائماً عقب اجتماع عسكري موحّد في بقعة جغرافية محدودة، فكيف إذا أدرك المخلصون خطورة عدم التحامهم ضمن جسم واحد يلقى صداه في أرض المعارك على مستوى شمال سوريا برمتها.

ومن المهم أن نفرّق أيضاً كما قال د. بكار: ” بين ما يحدث للناس من كروب بسبب استمساكنا بالحق، وما يحدث لهم بسبب أخطائنا، وسوء وتقديرنا للأمور”.

فلا بدّ من إعادة النظر فكرياً في تحليل الأحداث منطقياً ووضعها في سياقها الصحيح، من خلال توحيد الرؤى الفكرية واجتماعها على تحديد استراتيجياتنا في تعاطينا مع الخطط التي لم ينفّذها أعداؤنا بعد، وإلا ستكون خلافاتنا فيما بيننا حول تصور الحل في سوريا أداة فعالة تساعد العدو في اجتثاثنا فرقة فرقة.

وبكل تأكيد إننا أمة تضعف ولا تموت، ولكن لماذا لا تتهيبون من زوال عددٍ لا يستهان به منا باستنزافنا قبل استحقاق نصر الله لنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين