على الرغم من أنّني
وجدت على كوكب الأرض، بين عشرات الآلاف من الديانات والعقائد الأرضيّة، ما يشدّني بتاريخه
الطويل، وبخيالاته، وقصصه، وأساطيره المدهشة، وبفنون معابده الشاهقة، وأبنيتها الفريدة
المتقنة، فإنّي أجد نفسي، وبشكلٍ طبيعيٍّ وتلقائيّ، مشدوداً، موضوعيّاً، وعقليّاً،
ومنطقيّاً، إلى التركيز في بحثي على فكرة الإله الواحد، القويّ والخالق لكلّ شيء، والذي
أجمعت عليه الشرائع التوائم الثلاث، في هذا الخطّ المستقيم الذي تميّزت به على
الآلاف من الأديان والشرائع الأرضيّة الأخرى حولها!
وإذا كانت هذه الشرائع
هي حقّاً الأكثر تقارباً، والأكثر قبولاً إلى العقل والمنطق العلميّ، فأيّها كان
على الإنسان في الأرض أن يختار ليتفادى أدنى مخاطرةٍ، مهما كانت ضئيلةً، ويوفّر
على نفسه أقلَّ احتمالٍ للخسارة، أو للزلل في الأحكام، أو المخالفة للمنطق العقليّ
والعلميّ في الاختيار، بحيث يتفادى مخاطرَ الخلود في عذاب الجحيم، وقد أجمعت عليه
الشرائع الثلاث بشكلٍ أو بآخر، ويؤمّل بالخلود في نعيم الفردوس، وقد أجمعت عليه
الشرائع الثلاث، أيضاً، بشكلٍ أو بآخر؟
إنّ عقلي الفضائيّ يجد
نفسه مسوقاً إلى أن يربط بين إجماع هذه الشرائع على إلهٍ واحد، وبين النظام
الموحَّد، والمستمرّ، والمستقرّ، والدائم، لهذا الكون!
هل تتصوّر ما يحدث
لإدارتك من تغييرات عندما يتغيّر المدير؟ أو ما يحدث لوزارتك من اضطراب عندما
يتغيّر الوزير؟ أو ما يحدث لسياسة بلدك ولمعيشتك من اهتزازاتٍ وتبدّلات عندما يتسلّم
زمام الأمور فيها ملكٌ أو رئيسٌ جديد؟
إنّه أمرٌ بدهيّ. فلم يسبق أن شهد الكون الذي نعيش فيه مثل تلك التغيرات والاضطرابات
المحتملة! ولم يحدث أن روى التاريخ عن وقوع مثل هذه التحوّلات الشاملة،
والمصيريّة، التي طرأت على هذا الكون وهو يتنقّل بين إدارةٍ وأخرى!
حتّى المخلوقات الحيّة، سواءٌ في كوكب الأرض أو في الكواكب المسكونة في
الفضاء، على مختلف أشكالهم وبنائهم الجسديّ، وعلى مختلف أنواعهم وأجناسهم، بين
بشرٍ، وحيوانات، وطيورٍ، وحشرات، تجمعها وحدةٌ فنّيةٌ عجيبةٌ في المكونات العامّة
لأجسامها: رأسٌ، وبدنٌ، وأطرافٌ، وجلدٌ، وشعرٌ، وأظافر، وعينان، وأذنان، وأنفٌ،
ودماغٌ، وقلبٌ، وأوردةٌ، وشرايين، ودمٌ، وأعصاب.. هل يمكن لهذه الوحدة الفنّية في
المخلوقات أن تصدر عن أكثر من مهندسٍ واحد؟! أليس في وحدة المخلوق هذه؛ دليلٌ على
وحدة الخالق؟
لو حدث أن كان هناك أكثر من إلهٍ لهذا الكون؛ فهل كانت الآلهة ستتّفق
جميعاً، ودائماً، على قانونٍ موحّدٍ للسّير ينظّم حركة هذه الكواكب في الفضاء،
بمداراتها المتباينة والمعقّدة؟ وما الذي كان يمكن أن يحدث لو اختلفوا حول قاعدةٍ
واحدةٍ بهذا الشأن؟ إنّها نقطةٌ يثيرها ويذكّرنا بها (القرآن)، كتاب المسلمين حين
يقول:
-
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴿٢١﴾ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ۚ
فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿٢٢﴾ [الأنبياء: 21-22]
ويلمّح إلى ذلك أيضاً كتاب المسيحيّين
(الإنجيل) حين يؤكّد أنّه لا يمكن لأحدٍ أن يخدم سيّدين في وقتٍ واحد:
- لاَ
يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ
يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ
الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ. [متّى: 6: 24]
ولم أجد في كتب هذه الشرائع ما
يوثّق حقيقة إجماعها، هي الثلاث، على إلهٍ واحدٍ، وعلى كتابٍ واحد، إلّا آياتٍ في
(القرآن) تحثّ المسلمين على أن يحسنوا الخطاب مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى)،
وأن يؤمنوا بما أُنزل عليهم من الكتب، جنباً إلى جنبٍ مع القرآن، لأنّ الكتب
الثلاثة هي بمثابة كتابٍ واحد، ومَن أنزلها عليهم واحد:
- وَلَا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ
إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46]
وفي موقفٍ تاريخيٍّ حدث في أيّام تنزّل القرآن على محمّد؛
نجد الآيات أكثر بياناً وجلاءً حين تعزّي المسلمين بهزيمة النصارى
أمام الجيش الفارسيّ، الوثنيّ، في جنوبي الشام، وتطمئنهم مبشِّرةً بأنّ إخوتهم
سينتصرون على الفرس في معركةٍ قريبةٍ أخرى قادمةٍ، وسيفرح المسلمون آنذاك
بانتصارهم:
- غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن
بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ [الروم: 2-5]
أخيراً، من المهمّ جدّاً للمرء
هنا، فضائيّاً كان أم أرضيّاً، أن يسأل نفسه لو أراد أن يضمن لها السلامة والنجاة:
1-
تُرى، لو قارنت بين
نوعين من الآلهة، فأيّ إلهٍ منهما سيحظى باحترامي وطاعتي بشكلٍ أكبر، وسأطمئنّ إلى
قوّته وصدق أحكامه ووعوده وحمايته أكثر:
أ-
إلهٌ يشاركه آخرون في
رأيه، وفي مسؤوليّته، وفي أقداره وأحكامه؟
ب-
أم إلهٌ له
استقلاليّته التامّة، ويُصدر قراراته وينفّذها بنفسه، بدون الرجوع إلى آخر، أو
السماح له بمشاركته في أيٍّ منها؟
2-
وتُرى، لو أتينا بنصوص
الشرائع الثلاث، وضممناها في كتابٍ واحد؛ فهل ستساعدنا النصوص السماويّة الأصليّة
في أجزائها الثلاثة، وهي التي يُفترض ألّا تكون متضاربةً فيما بينها لو كان مصدرها
واحداً حقّاً، في اكتشاف النصوص المحرّفة، والمتناقضة مع روحها العامّة، تلك
النصوص الدخيلة التي جَعلت من الدّين السماويّ الموحَّد ثلاثة أديانٍ أو شرائع
متصارعةٍ على مدى الزمن؟
3-
وتُرى، هل سيكون
العقل، والمنطق اللغويّ، والبحث الموضوعيّ، العلميّ والتاريخيّ، والتخلّي عن
المشاعر والخلفيّات الدينيّة المترسّخة على مرور الزمن، وعن القناعات العاطفيّة
والثقافيّة المتوارثة في نفوس البشر، هي المقاييس المناسبة، والمقبولة عند كلّ
الأطراف، لتمكّنهم من التمييز، وبصورةٍ لا لبس فيها، بين النصوص الحقيقيّة والنصوص
المحرّفة؟
شيءٌ واحدٌ يحيّرني في أمر هذه الشرائع الثلاث، ولا أجد
له إجابةً منطقيّةً ومقنعةً حتّى الآن:
كيف يمكن أن تنفرد هذه الشرائع بعبادة الإله نفسه، دون
كلّ الأديان والشرائع الأخرى، وكيف يمكن أن تكون، دون كلّ تلك الشرائع والأديان،
هي الأكثر صراعاً وتناحراً وحروباً فيما بينها على مرّ الأجيال؟!
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول