المتضررون من الزلازل يحتاجون علاجاً نفسياً أولياً وإستراتيجياً

قالت مدير مركز اتزان للاستشارات والتدريب الاختصاصية النفسية د. حنان القطان: إن الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات والخسوف والكسوف والليل والنهار والنجوم والأفلاك كلها آيات من الله سبحانه وتعالى، مذكرة للقلوب بوحدانية الله وقدرته واستحقاقه للعبادة، ويذكرنا الله من خلال هذه السنن الكونية بنِعَم نغفل عنها، منها نعمة ثبات الأرض، فقد قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (غافر: 64)، حتى إن ابن القيم، رحمه الله، ذكر ذلك في كتابه حينما قال: «وتأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقت واقفة ساكنة لتكون مهاداً ومستقراً للإنسان والحيوان والنبات»، فحينما نصعد إلى الجبل نتذكر نعمة ثبات ومهاد الأرض.

 

وأيضاً من نعم الله علينا في هذه المحن أن يتخذ منا شهداء، فصاحب الهدم شهيد، في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وأيضاً يذكرنا بعلامات الساعة وصور من صور الساعة، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمن وتظهر الفتن ويكثر الهرج حتى يكثر فيكم المال فيفيض»، وأيضاً استجلاب القلوب الغافلة عن التوبة.

 

وبينت د. القطان، في حوار مع «المجتمع»، أن الآثار النفسية للزلازل تكون بمثابة الصدمة أو اضطرابات الصدمات أو كرب ما بعد الصدمة، فالذي يتعرض لأي حدث يهدد حياته يتعرض لصدمة نفسية، وتختلف هذه الصدمة من إنسان إلى آخر، وقدرته على المعايشة مع هذه الكارثة؛ فتلاحقه الصور بين حين وآخر، وأبرز هذه الآثار تتمثل في الأرق واضطرابات النوم الذي يعد من أهم الأعمال التي تعيد للعقل توازنه وتصحح الكثير من المشكلات في الجسد، بالإضافة إلى الصور الذهنية التي تأتي للإنسان مع الصوت والتخيل؛ مؤدية إلى «السرحان وينفصل الإنسان فيها عن الواقع.

 

وتابعت د. القطان: أيضاً من كرب ما بعد الصدمات الدخول في حالة من الاكتئاب حينما يكون الإنسان أسيراً لأحزانه لفترة طويلة ولا يستطيع أن يتجاوز آثار فقْد أسرته أو أحد أفرادها، فقد يدخل في حالة من الاكتئاب، ويشعر بالضيق والتوتر والقلق، وأن مستقبله قد انتهى، ويفقد الشغف في الحياة، ويشعر بتأنيب الضمير، وغيرها من الآثار المؤلمة بعد الكوارث.

 

وهنا يبرز محوران يؤثران بشكل مباشر في حجم الآثار السلبية لكرب ما بعد الصدمة؛ الأول: الاستعداد الوراثي والنفسي لبعد الاضطرابات النفسية والمشكلات، مثل الاكتئاب والوسواس وغيرهما، والثاني: تكوين الشخصية، وكيف تربى هذا الإنسان؟ وهل لديه درجة عالية من اليقين والتسليم لله سبحانه وتعالى، أم لديه فقر في المعاني الإيمانية؛ وبالتالي يكون عاجزاً عن التسليم بقضاء الله وقدره، وهنا يجد صعوبة في التكيف؟ وهذا ما نسميه التكوين الشخصي، وذلك يساهم في تفسير الموقف بين إنسان وآخر، ومثلما قال العلماء: «ليست الصدمة هي ما تولِّد مشكلة، وإنما تفسيرك الداخلي هو الذي يولِّد المشكلة».

 

وأضافت د. القطان: أيضاً من الآثار عدم الإدراك المتزن لما حدث؛ مما يولد بعض المشكلات في السلوك، مثل الرعونة وعدم توخي الحذر وعدم المبالاة بوسائل الأمن والسلامة والاستخفاف العقلي مع المشكلة والأزمة، وهذا يعتبر من الآثار التي  من الممكن أن يحدثها تفسير المصاب لمشكلته وصدمات حياته، وأيضاً اضطراب القلق ليس القلق التفاعلي بسبب أزمة، وإنما هو القلق المزمن، وله آثار سلبية مثل القولون العصبي والصداع والضيق والوهن والتعب.

 

أما بالنسبة للصدمة نفسها، فهي تحتاج إلى تعريف، وهي عبارة عن كمية من المشاعر الضارة التي تهدد الحياة بحيث لا يستطيع الجسد أن يتحملها في وقت سريع، وتُحدث تغييراً في أسلوب الحياة، وقد تصل بالإنسان إلى العجز وعدم القدرة على العمل، ومن الآثار الخوف الشديد أو الخوف المرضي من خلال تحفيز الجهاز العصبي للجسد؛ وبالتالي يكون لديه إفراز للأدرينالين بشكل غير واعٍ، وهذا ظهر جلياً في ارتدادات ما بعد الزلزال؛ فنرى فزع الناس في الضربة الأولى، وهنا نجد سرعة الاستجابة للمثير أسرع بكثير مما قبل؛ مما يدل على أن هناك إفرازاً بشكل كبير للأدرينالين، وهذا دليل على أن الجسد متنبه ولديه رد فعل طبيعي؛ والله سبحانه وتعالى جعل الأجساد دائماً في محل الدفاع، لكن هذه الحالة إذا عاشها الإنسان فترة طويلة من الممكن أن تؤثر على حالته النفسية، فهو يحتاج إلى الهدوء والتنفس بعمق، وذكر الله والتوكل عليه.

 

وعن مراحل الصدمات التي يعيشها الإنسان، قالت د. القطان: المرحلة الأولى هي مرحلة الإنكار، فيكون الإنسان في مرحلة رفض لهذا الحدث، أو عدم تقبل له، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة الغضب والاحتجاج؛ وهذه المرحلة صحية؛ لأنها تنقل الإنسان من الإنكار غير المنطقي إلى القبول، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة المساومة؛ وهي المطالبة بإنقاذ بعد الأفراد، وتأتي المرحلة الرابعة وهي الاكتئاب، وآخر مرحلة القبول؛ وهي تقبّل الحدث.

 

وهذه المراحل تختلف على حسب صحة الإنسان النفسية، فهناك من يمتلك الصحة النفسية العالية فيصل إلى مرحلة القبول بشكل أسرع، كما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: «من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات قطعت رأسه»، وعندما ذكَّره أبو بكر رضي الله عنه بالآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 144)، قال: «وكأني أسمعها لأول مرة»، وهذا دليل على أنه انتقل إلى القبول والإدراك بسرعة ولم يأخذ دقائق، فسرعة الاستجابة والوصول إلى القبول تختلف من إنسان إلى آخر.

 

وأضافت د. القطان: هناك أفكار ووسائل للدعم النفسي؛ أولها: تهدئة الجهاز العصبي للمتضررين، وهذه اللحظات الأولى والساعة الذهبية حيث لا تترك المصاب بالهلع تمر عليه ساعات طويلة ثم بعد ذلك تذهب لتهدئته، فالتهدئة الأولى هي التي تنقذ الإنسان، وهي التي تكبح جماح إفرازات الأدرينالين وغيرها اللاواعية، فتذكيرهم بالصبر والهدوء وعناقهم وخاصة الأطفال؛ لأنهم سرعان ما ينتقلون من الخوف إلى عالم الطفولة وإحساسهم بالأمان وتغذيتهم وإعطائهم الماء والطعام، وأحياناً الحاجة إلى المشاركة والعمل معهم بشكل جماعي، فالعمل الجماعي يخفف عنهم بشكل كبير عن المصاب في مثل هذه الكوارث.

 

وبينت أن هناك حالات تحتاج إلى دعم نفسي من نوع مختلف، ووضع خطط علاجية لهذه الحالات، حتى الذي يمارس الدعم النفسي يحتاج إلى تفريغ وتثبيت لقلبه حتى لا يصل لمرحلة الانهيار، ولكي يشحن نفسه مرة أخرى بالعطاء من جديد، وفي المرحلة الأولى يجب أن يكون الدعم عبارة عن إسعاف أوليّ للمصاب نفسياً، ثم بعد ذلك بعد أن تهدأ الأمور يكون هناك إسعاف من نوع آخر؛ وهو إسعاف بطيء، ويتمثل في وضع خطة إستراتيجية لعلاج الكوابيس والقلق والإجهاد وعدم التنفيس بأساليب خاطئة؛ مثل التكسير أو الضرب أو الانغماس في حالة من اليأس والاكتئاب، فيحتاج المتضرر إلى مرحلة الإسعاف الأوليّ، والمرحلة الثانية قد تكون رحلة علاج وفق خطة، كما أن درجة الصدمة تختلف من طفل إلى آخر على حسب طبيعته، فهناك أطفال دخلوا في حالة من الهلع، وهناك من هو مستقر نفسياً، وهناك من يتحدث في السيارة، وآخر يضحك ويلعب ولم يدرك لصغر سنه.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين