الموجز في التاريخ: الشمال الإفريقي زمن معاوية رضي الله عنه

كانت جبهة شمال إفريقيا من أولى الجبهات التي أولاها معاوية اهتمامه، ففيها عدوه اللدود: الدولة البيزنطية، التي صمم على تضييق الخناق عليها؛ فوجه في أول سنة من حكمه عام: (41 ه) معاويةَ بن حديج على رأس حملة إلى إفريقيا، ثم أرسله ثانية عام: (45 ه) على رأس عشرة آلاف مقاتل، فيهم: ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الملك بن مروان، وغيرهم من أشراف قريش، واستطاعوا تحقيق انتصارات كبيرة فيها، إلى أن أسند معاوية قيادة حركة الفتح الإسلامي في إفريقيا للقائد الكبير، الذي خلد التاريخ اسمه في ميدان الفتوحات: عقبة بن نافع.

عقبة بن نافع (ت: 63 ه): كان عقبة قد شارك عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزو إفريقيا؛ فأكسبه ذلك خبرات واسعة، وظَّفها كلها في فتوحاته في إفريقيا، ثم أقدم عام: (50 ه) على بناء مدينة القيروان؛ لتكون محط رحال المسلمين، وما إن تم بناؤها؛ حتى أصبحت مركز الحياة العلمية، والحضارة الإسلامية في المغرب الإسلامي، وبعد عزل عقبة؛ تولى أبو المهاجر حركة الفتوحات الإسلامية في إفريقيا، فقام بدور عظيم في فتح المغرب، ومهَّد الطريق لنشر الإسلام في المغرب، وجعله نظام حياة.

وفي عام: (62 ه) أعيد عقبة إلى ولاية إفريقيا، فقاد حركة الجهاد فيها من جديد، وقطع فيها ما يزيد على ألف ميل، من القيروان في تونس، إلى المحيط الأطلسي في المغرب، وبوصوله إلى المحيط يكون قد أنجز تحرير معظم بلاد المغرب، ولما وصل المحيط الأطلسي قال: "يا رب: لولا هذا البحر لمضيت في البلاد، أقاتل من كفر بالله، حتى لا يعبد أحد من دونك، ثم وقف ساعة، ثم قال لأصحابه: ارفعوا أيديكم، ففعلوا، فقال: اللهم لم أخرج بطرًا، ولا أشرًا، وإنك لتعلم أنما نطلب السبب الذي طلبه عبدك: ذو القرنين، وهو أن تعبد، ولا يشرك بك شيء"(1) ، ولما قفل عائدًا من هذه الرحلة الطويلة؛ أرسل الجيش أمامه إلى القيروان أفواجًا، وبقي في الطريق مع عدد من أصحابه؛ فوقع في كمين يقوده: كسيلة البربري(2)، ومعه خمسون ألفًا من أصحابه، ودارت بينهم معركة، عرفت باسم: (تـهوذة)، استشهد فيها عقبة وأصحابه، وذلك عام: (63 ه)، واستولى بعدها كسيلة على القيروان، وبقيت معه خمس سنوات، إلى أن قتله وخلصها من يده القائد الكبير: زهير بن قيس البلوي، وذلك في معركة (ممس) عام: (69 ه).

الهوامش:

(1) السلاوي، أحمد بن خالد، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق: جعفر الناصري، ومحمد الناصري (الدار البيضاء: دار الكتاب، د. ط، د. ت) 1/138.

(2) كسيلة ملك من ملوك البربر، أسلم زمن ولاية أبي المهاجر على إفريقية، وكان أبو المهاجر يتودده، ويتألفه، فلما عاد عقبة إلى ولاية إفريقية أهان كسيلة، ومن ذلك: أن طلب منه أن يسلخ له شاة بيده، ولم يرضَ عقبة بغير كسيلة لسلخها، فنصحه أبو المهاجر أن يكرم كسيلة، ويتودده، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألف أشراف العرب، ويكرمهم؛ فأبى عقبة ذلك؛ فأضمر كسيلة هذا الموقف في نفسه، ولما وجد الفرصة سانحة للانتقام من عقبة؛ اغتنمها، وأقدم على قلته وأصحابه، وذلك عام: (63 ه) ينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 3/ 205-207.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين