الهاتف الخلوي (الجوال) يقتحم نفوس الناس

نحن اليوم بيننا وبين رمضان أسبوع من الزمن تقريبا -نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل منا صيامه وقيامه- وقد غُزينا في المجتمعات والبيوت بما يسمى وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها هذه الهواتف المتنقلة، والمتابع لطريقة استعمال غالب الناس لهذه الهواتف يجد عجبا:

1-فقد أصبحت ترى المصلي في المسجد يدخل إلى المسجد وفي يده هذا الجهاز، فإذا لحق أن يصلي ركعتين قبل إقامة الصلاة، لا يكاد يسلّم يمينا وشمالا إلا ويده في جيبه لإخراج الجهاز، وبعد الانتهاء من الصلاة مع الإمام تسرع يده إلى جيبه، ونسى مع ذلك اذكار الصلاة فأضاع على نفسه خيرا كثيرا، فصار يقضي الأوقات في المسجد منتظرا الصلاة وهو يعبث بالجهاز، وقد أضاع على نفسه بركة حديث النبي صلى الله عليه وسلم( ولا زال في صلاة ما انتظر الصلاة) وهذا يعني أن يقضي وقته بالتسبيح وقراءة القرآن لا بالعبث في الأجهزة النقّالة.

2- بل أصبحت ترى أناسا كثيرين يفضلون قراءة القران من الجهاز بدلا عن المصحف، ويتهيأ لي أن كثيرين منهم يفعل هذا لأجل عدم تفويت قراءته لرسائل الواتساب التي تنهال عليه من كل حدب وصوب.

3-فاذا ما انتقلت إلى المدرسة وجدت التلاميذ أكثرهم يحمل هذه الأجهزة، وهي تحمل السم الزعاف لا سيما والدول العربية أكثرها لا يصفي الإنترنت، فيصبح عمل التلميذ منصبا على مراقبة السفاهات التي تحدث على الشبكة العنكبوتية، فيخسر نفسه وقد خسر علمه وأخلاقه، وما بقي عنده شيء ليخسره.

4- انتقل إلى الجامعة فتجد بعض الأساتذة الغيورين على العلم، يجهد نفسه في الشرح والتوضيح، والطالب منشغل في تبادل الرسائل مع غيره عبر الهاتف، لا يراعي جهد أستاذه، ولا أمانة العلم التي قعد يستمع إليه بشخصه لا بعقله.

5- وإذا ما جئت إلى الأحوال الاجتماعية سواء في فرح أو ترح ترى كل واحد من الحضور منشغل بجهازه لا يكاد يتفاعل مع من حوله.

6- إن هذه المخترعات يجب أن تسمى بوسائل التقاطع الاجتماعي، فقد قضت أو كادت تقضي على دفء العلاقات الإنسانية التي تكون عبر المواجهة والمقابلة، وصار المرء يعتقد أنه بمجرد إرساله رسالة عبر جهازه فقد برئت ذمته من التواصل مع أرحامه وأقاربه وأصدقائه، وصار الواحد يفني وقته في ما لا فائدة فيه.

7- ومن أسوأ ما يلاحظ أنك بت ترى الشباب واحدهم يدخل الحمام لقضاء حاجته التي لا تكلفه إلا قليلا من الوقت فيفتح الجهاز ويقلب ما فيه، فيمكث الوقت الطويل في الحمام وهو لا يدري، فلا جعل للكلمة أي احترام بهذا الفعل الشائن.

8- على المسلمين عموما أن يجعلوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بين أعينهم مع القرآن وإلا خسروا خسرانا مبينا، ألم نسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال...عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه...) أليست هذه الأفعال من ضياع الأعمار؟

إننا على أبواب رمضان فلنُحكم إعادة ترتيب أولوياتنا ولنَجْعل القرآن والسنة الصحيحة هي ميزان أعمالنا، ولنتق الله في رمضان فإنه لا يُقبِل إلا مرة واحدة في العام، فالحذر من هذه الوسائل التي تضيّع الأعمار من غير فائدة، وليعمل كل واحد لآخرته فقد تقارب الزمن، نسأل الله السلامة العافية.

وليس هناك أي مسؤول نخاطبه بوضع الآليات المناسبة للحفاظ على أبنائنا وطلابنا من هذا البلاء، وإنما نخاطب المسلمين فكل واحد مسؤول عن أفعاله.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

الخميس 16/3/2023م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين