أنظر في أمر هذه الأعداد الكبيرة من الديانات والمذاهب التي
يغصّ بها الكوكب الأرضيّ، فأجدها مبعثرةً هنا وهناك، وبشكلٍ محيِّرٍ ومربِكٍ!
إنّها في عينيّ أشبه بتلك الملايين من النجوم التي أراها مبعثرةً فوقي هناك في كلّ
زاويةٍ من زوايا الفضاء، ولكن مع استثناءٍ واحد!..
إنّ ما يدهشني حقّاً، وأنا أنظر إلى هذا الكمّ الهائل من
النجوم المتناثرة في السماء، هو أنّ بين هذا التناثر المحيِّر والبديع خطّاً استثنائيّاً
مخالفاً تنتظم فيه، وبشكلٍ لافتٍ للنظر، ثلاثُ نجومٍ بارزةٍ يلاحظها أهل الأرض
جميعاً في الليل، وقد اصطفّت باستقامةٍ يصعب أن تكون قد جاءت هكذا اعتباطاً، خلافاً
للملايين من اللاخطوط واللاأشكال التي تملأ السماء حيثما توجّهت بنظرك!
ومثلما يحيّرني هذا الخطّ المستقيم من النجوم الثلاث؛
يحيّرني أن أكتشف، بين آلاف الديانات والعقائد المنتشرة على سطح الأرض، وعبر
قارّاتها الكبيرة الخمس، خطّاً منتظماً ومستقيماً آخر تشكّله ثلاث شرائع تتوافق
توافقاً استثنائيّاً، وعجيباً حقّاً، في وحدةِ مَحاوره، وفي ترابط أحداثه، وفي
تشابه مكوّناته الأساسيّة، وربّما الفرعيّة أيضاً!
ومن خلال النظرة الأولى لهذه الشرائع الثلاث؛ يتّضح لك أنّها
تُجمِع على عبادة الإله نفسه، وتنصّ على رواية بدء الخَلق نفسها، وعلى رواية
النهاية نفسها لهذا الخَلق، وعلى رواية ما يَعقب تلك النهاية، أو الحياة الأخرى التي
تلي حياتنا هذه، وعلى تفاصيل حياة الأنبياء، على تعدّدهم، ومن غير أدنى اختلافٍ
يُذكر، في أسمائهم، وأنسابهم، وقصصهم، ومعجزاتهم، وبترتيبهم الزمنيّ، وكذلك على
القيم والتعاملات والعلاقات الإنسانيّة نفسها، والحلال والحرام نفسه، من غير أيّة
خلافاتٍ أساسيّةٍ في خطوطها وأحكامها العريضة الثابتة!
ويأتي
في المرتبة الأولى من الأهمّية في هذا الجانب؛ أن أحداً من آلهة الديانات والعقائد
الأرضيّة الكثيرة المنتشرة في كلّ مكان لم يحدث أن ادّعى أنه خلق السموات والأرض
وكلّ شيءٍ في هذا الكون، على حين يصرّح بانفراده بذلك إلهُ الشرائع الثلاث، في
كتبها الثلاثة، وبنفسه أو على ألسنة رسله، بثقةٍ ووضوح، وبتشابهٍ وتناغمٍ عجيبين، وبصورةٍ
قطعيّة لا لبس فيها:
-
1
فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ
جُنْدِهَا. 2 وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ
مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ
عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3 وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ
وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ
اللهُ خَالِقًا. 4 هذِهِ مَبَادِئُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ
حِينَ خُلِقَتْ، يَوْمَ عَمِلَ الرَّبُّ الإِلهُ الأَرْضَ وَالسَّماواتِ.5
كُلُّ شَجَرِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ
فِي الأَرْضِ، وَكُلُّ عُشْبِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، لأَنَّ
الرَّبَّ الإِلهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلا كَانَ إِنْسَانٌ
لِيَعْمَلَ الأَرْضَ. 6 ثُمَّ كَانَ ضَبَابٌ يَطْلَعُ مِنَ الأَرْضِ
وَيَسْقِي كُلَّ وَجْهِ الأَرْضِ.7
وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ
تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ
نَفْسًا حَيَّةً [تكوين: 2: 1-7]
-
16
وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: "تَكْثِيرًا
أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى
رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ". 17
وَقَالَ لآدَمَ: "لأَنَّكَ سَمِعْتَ
لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا:
لا تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ
مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18
وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ
عُشْبَ الْحَقْلِ. 19
بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى
تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى
تُرَابٍ تَعُودُ". 20
ودَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ»
لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ. 21
وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ
أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا. [تكوين:
3: 16-21]
-
وَوَلَدَ
نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ
[تكوين: 6: 10]
- أَيُّهَا الرِّجَالُ، لِمَاذَا
تَفْعَلُونَ هذَا؟ نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلامٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ
أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا [أعمال
الرسل: 14: 15]
-
لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ
أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ [تيموثاوس1:
2: 13]
-
إنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ
تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
[الأعراف: 54]
-
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن
نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:
1]
-
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤﴾ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥﴾ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا
كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴿٣٦﴾ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ
عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾ [البقرة: 34-37]
-
عن
سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ قال: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "وَلَدُ
نوحٍ ثلاثةٌ: سامٌ، وحامٌ، ويافِثُ أبو
الرُّومِ". [رواه الحاكم
في المستدرك على الصحيحين]
إنّ
هذا الإجماع النادر بين كتب الشرائع الثلاث على قصّة بداية الخلق، وعلى أصول
المخلوقات، والاتّفاق حتّى في كثيرٍ من التفاصيل الصغيرة، لا يترك أمامي خياراً
إلّا أن أسلّط عدسة بحثي على هذه الشرائع خاصّةً دون غيرها من أديان الأرض
وعقائدها ومذاهبها الكثيرة.
ومن المهمّ أن أنبّه هنا إلى أمرٍ واضحٍ، ومحيِّرٍ ومربِكٍ
معاً، يمكن أن نتبيّنه بوضوح، وهو أنّ الصورة التي يقدّمها كثيرٌ من أبناء هذه
الشرائع الثلاث لنا، من خلال ممارساتهم اليوميّة، لا تمثّل بالضرورة تلك الصورة الأصليّة
التي تُقدّمها لنا نصوصهم المقدّسة. إنّ تقارب هذه النصوص على الورق أشدّ وأوضح
بكثيرٍ من تقارب تطبيق أبنائها لها على الأرض.
وإنّه لأمرٌ لافتٌ وخطيرٌ حقّاً، ولا بدّ أن آخذه في
الحسبان وأنا أجري متابعاتي وبحوثي، أن أضع بين أيدي أتباع هذه الشرائع الثلاث
الأسئلة الخطيرة الآتية ليطرحوها على أنفسهم، وليجيبوا عنها إجاباتٍ مقنعةً للعلم
وللمنطق البشريّ:
1-
إذا كانت هذه الشرائع متّفقةً مثل هذا الاتّفاق النادر،
والمدهش، في محاورها الأساسيّة؛ فما الذي جعلها ثلاث شرائع؟!
2-
هل يمكن تسويغ حدوث هذا الانفصال العضويّ بينها بصورةٍ
منهجيّةٍ وموضوعيّةٍ مقنعة؟ وكيف؟ وأيٌّ منها المسؤول عن هذا الانفصال؟
3-
أيّ هذه الشرائع الثلاث، على تقاربها وتشابهها، أشدّ
قرباً في نسيجها الفكريّ إلى العقل، وإلى المنطق العلميّ، وإلى الصحّة والفطرة
والموضوعيّة؟
4-
قد يساعدنا في الإجابة عن هذا السؤال الأخير سؤالٌ آخر
أكثر أهمّيّةً وإثارة: أيّ أبناء هذه الشرائع أشدّ اقتناعاً بشريعته، اقتناعاً
يجعله أشدّ تفانياً في الدفاع عنها، وأبلغ حرصاً على التمسّك بها، وأوفر حماسةً
للتضحية في سبيلها، وأكثر اندفاعاً للالتزام بشروطها وأحكامها، وأعمق إيماناً
بوحدة هذه الشرائع الثلاث؟
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول