بين الرمضانيين والربانيين

أتي شهر رمضان وحمل معه فتوحات ونفحات من لدن حكيم عليم. رمضان : ضيف خفيف تمتلئ فيه المساجد بين راكع وساجد وترفع المصاحف عن الأرفف فحُملت بين الأكف، يفرح الفقراء والمساكين بقدومه. ترتفع فيه الهمم  وتشتد العزائم .ثم مضى ذلك الضيف فما لبث أن استقبلنا نسماته وعايشناها أن ودعناها ،لذا قال الله منبها المسلمين أنه "أياما معدودات"البقرة184 فكل من عليها فان..انقضى الشهر،وللأسف يتكرر مشهد  كل عام .خلت المساجد  فما وجدنا فيها جليس فإذ بها خاويةً من الرمضانيين،إلا من أهلها الربانيين الذين هم حقا أهلها قبل رمضان وبعده،عادت المصاحف من يدي الرمضانيين إلى الأرفف فما وجدت إلا أهلها.وانبرى الناس عن الفقراء فما بقي لهم إلا الله ثم المسارعين في الخيرات. وانقضى سوق الضعفاء،انتهي رمضان ونتوجع لفراقه ،ونظل نتذكر أيامه ولياليه كيف كانت عامرة بالخيرات، ممتلئة بالعبادات، منيرة بالطاعات.ونأسف للدعاة والأئمة على ما بذلوه لله؛ ولم نجد الأثر الذي ظنوه..وانتظروه. فكان أكثر الحضور من الرمضانيين وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين!!.

وبين الرمضانيين والربانيين بون شاسع.والناس بعد رمضان على ثلاث: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ"32فاطر

1- فمنهم ظالم لنفسه. ظالم لنفسه بعد رمضان ترك العبادة وهبط مؤشره هبوطا مدويا كما كان قبله بل وأكثر وكأنه يمن على الله بالعبادة ويقول صمت كذا وصليت كذا وأنفقت كذا .واكتفى فهو على خطر عظيم قال تعالى "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17 الحجرات) ذاك الرمضاني قال تعالى منبها إياة "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ" فلابد أن يفيق ويتوب ويتعامل ذلك المغرور مع الله كعبد. "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"6 الانفطار

فما يدري متى تأتيه لحظة الموت وساعة الصفر التي سنذوقها جميعا. عندئذ يقول  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ.كلا"100 الفرقان

2- ومنهم مقتصد عاد لعبادته كعادته ونزل المؤشر معتدلا .وما أكثر هؤلاء وهم على خير ولكن عليهم أن ينتبهوا فإن لم يكن الإيمان في زيادة فهو في نقصان وسبحان الواحد الأحد الذي لا يتغير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم" فاليمان يحتاج الى إيمان قال تعالى "يا أيها الذين امَنوا آمِنوا" الأنعام

3- ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله استمر المؤشر في ارتفاع يسابق ويسارع إلى الله.يقول عليه الصلاة والسلام:((لا بورك لي في يومٍ, لم أزدد فيه من الله قربًا بالعمل الصالح ولا بورك لي في يومٍ,لم أزدد فيه من الله علماً) تلك درجة المُخلَصين الربانيين،الأمر عندهم سواء فأحوالهم لا تتبدل ولا تتغير قبل وبعد  وأثناء رمضان فيوم فطرهم وصيامهم سواء كقول الإمام كرم الله وجهه- يقول: والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.فيقينه قبل كشف الغطاء, كيقينه بعد كشفه, ويقول أيضا رضي الله عنه وأرضاه "والله لو علمت أن غداً أجلي, ما قدرت أن أزيد في عملي"ذلك هو السابق بالخيرات. قال الله عنهم" إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ? وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (90)?.سورة الأنبياء

- مضى رمضان فربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر.ومن الخسران أن يعود المرء البعيد عن الله قبل رمضان كمان كان بل ويزداد بُعدا عن الله وتلك خيبه وأي خيبة!!ومن علامات الربح والقبول أن يزداد المسلم قربا من مولاة .أما الرمضاني إذا جاء احدهم ملك الموت, وكُشفت له الحقائق التي كانت غائبة عنه انتبه!.فالناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، قال تعالى:?فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ?[ ق 22] عندئذ فالإيمان لا ينفع إطلاقاً? يوم لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً?[ الأنعام 158] ليت الإنسان يتذكر وهو في صحته,وهو في قوته, وهو في غناه, وهو في بحبوحة وقته, لأن هذه أحداث تنتظرنا جميعاً, من معه صك أو ضمان أن ينجو من هذا المواقف؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟)[أخرجه الترمذي في سننه] فالأيام دول: فهل نستيقظ في يوم ويكون كالذي سبقه إلى ما شاء الله؟ أبدا, لابد أن هناك متغيرات مع تتابع الأيام, وإذا علمنا ذلك, ألا ينبغي أن نكون على حذر ويقظة ؟ولا نسوف وينتهز الفرص. قبل الندم. فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادما يوم الحصاد، لقد زرعنا في رمضان لنحصد بعدة ولنزداد قربا وعملا وكرما وبذلا لله لا لتعود ريمه كعادتها القديمة.كالرمضانيين قال تعالى" ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا".ولكن كونوا ربانيين .إن كان رمضان بأيامه ولياليه ودقائقه وثوانيه،قد مضى ونبهنا الله انه أياما معدودات،وكان موسماً عظيماً للخير والطاعة،فإن العمر كله فرصة وتلك هي صحيفتنا فبما نملأها؟. والسعيد والفائز من ضحك هناك حيث ارض الميعاد والحساب وهتف وقال "هاؤم اقرءوا كتابيه ( 19 ) إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه(20)الحاقة ..

أحبتي هناك نفوس تمتلك كل شيء بيوت جميلة جداً, وغنية جداً, والأمور  كلها ميسرة عندهم  هذا بالعين الظاهرة ,أما داخل النفوس فشقاء وتعاسة, لأنها أعرضت عن خالقها,تتعامل مع الله بالقطعة وفق هواها ومرادها لا على مراد الله قال الله عز وجل عنهم(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (طه124) فهل نحن ربانيين أم رمضانيين فمن كان يتعبد في رمضان وفقط  فإن رمضان قد فات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ورب رمضان هو رب كل الشهور قال تعالى "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"

أخي الحبيب لا تُعرض عن الله بعد ذكره والقرب منه في أيام النفحات.بل جاهد نفسك واحملها على الطاعة واستعن بالله ولا تيأس.مضى رمضان لكن بقي ما بقي من عمرنا وتلك فرصه، يقول ابن القيم لابنه اعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات،والساعات تبسط أنفاسًا،ولكل نفَس خزانة،فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى يوم القيامة خزانة فارغة فتندم.فإن في الصحيح عن رسول الله «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة»فانظر إلى مضيِّع الساعات كم ضيعت من نخيل الجنة».

- لذا نسال "ماذا بعد رمضان وقد مضى جزء من عمرنا هل ربحنا فيه أم خسرنا ؟ وأي الناس أنت؟. لذلك حثنا رسولنا على المسارعة بعد رمضان لما روى عن أبو أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من صام رمضان ، وأتبعه ستا من شوال ، فكأنما صام الدهر }.

إن امتنا في حاجة إلى أصحاب الهمم العالية والعزائم الصلبة ليصدوا عنها ما يحاك لها ويكيد لها الأعداء في حاجة إلى "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ? يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37النور) رجال لا يقبلون الضيم ولا ينزلون على رأي الفسده ولا يرضون الدنية من دينهم أو شرعيتهم أو وطنهم. فكونوا ربانيين

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم انك أنت علام الغيوب.اللهم أعنا على عمل الخير وخير العمل.وزدنا ولا تنقصنا. والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين