‏تأملات في آيتين عجيبتين في كتاب الله تعالى

 

يُروى أن ابن عباس دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاويةُ : (لقد ضربتني أمواجُ القرآن البارحة فغرِقت فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك، قال: وما هي ؟ فقرأ معاوية قوله تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر"، فقال: أو يظن نبي الله يونس أن الله لا يقدر عليه؟ قال ابن عباس: هذا من القَدرْ لا من القُدرة )، يعني التضييق عليه ، فقدر هنا بمعنى ضيق كما في قوله تعالى: " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" ، وقد جاءت كلمة يقدر متعلقة بالرزق في عدة آيات من القرآن منها قوله تعالى : "الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا" [الرعد : 26 ].

إلا أننا نجد التفاتة رائعة في آيتين كريمتين في بيان حكمة هذا التقدير قلَّ من ينتبه إليهما وهما: في سورة العنكبوت [آية:62] وهي قوله :" الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم"، والآية الثانية في سورة سبأ [آية: 39] "قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، فنجد فيهما اقتران كلمة (يقدر) بالجار والمجرور له (يقدر له)، مع أن الغالب المستعمل في اللغة أن يقال "يقدر عليه" أي يقدر عليه رزقه، ولكن المراد من الآية هنا يقدر له رزقه، وليس يقدر عليه، وهذا لحكمة ربانية بديعة وذلك أن هذا التضييق في الرزق إنما لإرادة الخير من الله لعبده ، فقد يكون البسط سببا لفساده وطغيانه.

من هنا نفهم السر في ختام آيات بسط الرزق وتقديره بالتذكير بثلاثة أسماء لله تعالى وهي: 1-العليم 2-الخبير 3-البصير، فقال: "له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم" [الشورى:62] ، وقال: " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشآء إنه بعباده خبير بصير" [الشورى:27].

للدلالة على أن توزيع الأرزاق مبني على علم بحال العباد ، وما يصلح لهم في دنياهم وآخرتهم.

ثم كشف أن المؤمنين هم الذين يفهمون عن الله الحكمة في توزيع الأرزاق فيسلمون ويرضون فختمها في آيتنين في سورتي الروم الزمر بقوله: "إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون".

ثم نعى على فريق آخر لم يرضوا بقدره ، ولم يوقنوا بحكمته فقال في سورة سبأ : "ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين