تفريق باطل بين الرسول والنبي بطريقة ينفون به العصمة عن الأنبياء

 

بين كل فترة وأخرى يخرج لنا أصحاب الاتجاه الحداثي تفسيراً باطلاً للقرآن الكريم، ومن هذه التحريفات الباطلة التي يرددها هؤلاء وصارت منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي قولهم :

[ الرسول كان معصوماً من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة، أما مقام النبوة الذي مارس فيه النبي صلى الله عليه وسلم تنظيمه للحلال وإدارة أمور مجتمعه فهو مقام المجتهد وفيه مكان للخطأ والصواب ومنه نفهم "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك"، فهو غير معصوم] .

*الردالعلمي* :

#أولا : هذا التفريق بهذه الطريقة بين الرسول والنبي الهدف منه أمران:

1- إلغاء كثيرٍ من أحكام السنة النبوية وعدم القبول بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها صدرت عنه بصفة النبوة حسب زعمه، فيعتبرها خاصة به وبعصره ، لذلك يعتبر هؤلاء اللأحكام الشرعية الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها القرآن الكريم إنما خاصة بعصره ، لا حاجة لاتباعها لأنها صادرة عنه بصفة النبوة وليس بصفة الرسالة.

2- النتيجة من هذا التفريق قطع صلة الأمة بنبيها، بل هو مكر فاضح للتنصل من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. 

التفريق بين النبوة والرسالة بهذا المفهوم لم يعرفه أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا علماء الأمة عبر عصورها، إنما هو من اختراع هؤلاء المحرفين، ومن سار على نهجهم، وهي طريقة مكشوفة للتلاعب في الأحكام الشرعية المبنية على السنة النبوية، والإشكال ليس في التفريق بين الرسول والنبي، فالعلماء يفرقون بينهما من حيث التبليغ وعدمه، وإنما الخطر في النتيجة التي وصل إليها.

#ثانياً : الفرق بين الرسول والنبي كما دل عليه القرآن وسار عليه علماء الأمة: النبي من أوحى الله إليه، فإن أمر بتبليغ ما يوحى إليه للناس فهو رسول، وإن لم يؤمر بتبليغ ما أوحي إليه فهو نبي فقط، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا .

- الأدلة التي تبطل ادعاءهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس معصوما بصفة كونه نبياً:

1- هذا الادعاء مخالف للغة العربية، حيث إن لفظ النبي، مأخوذ من النبوءة ، أي أنه منبأ من الله وليس من تلقاء نفسه.

2- إن الله تعالى أمرنا في القرآن الكريم أمرنا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تارة بصفة كونه رسولاً ، وتارة بصفة كونه نبياً، والدليل على ذلك:

3- قوله تعالى (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله ولا يسرقن ولا يزينين ..ولا يعصينك في معروف فبايعهن)، فدلالة (ولا يعصينك في معروف ) تدل عى وجوب طاعته وعدم معصيته، والخطاب في صدر الآية (يا أيها النبي) دل على وجوب طاعة النبي، ولو كان الأمر حسبما يقول المهندس الكيالي، كان ينبغي أن يقول له "يا أيها الرسول".

4- إن الله تعالى أخبرنا أنه يوحي إلى نبيه بصفة "الرسول" كما في قول تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) : كذلك أخبرنا أنه يوحي إليه وبنزل إليه بصفة "النبي" كما في قوله تعالى : ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَ?كِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) .

فقوله : ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ ) دلالته واضحة على أن الله تعالى ينزل عليه ويوحي إليه بصفته نبياً.

5- وكذلك الاتباع يدل على وجوب الطاعة ، وقد أمرنا باتباعه رسولا ونبيا فقال تعالى في سورة الأعراف : (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) وإلا لو كان الأمر مقتصرا على وجوب طاعته رسولا فقط، لم يكن هناك أي حاجة لذكر (النبي) في الآية.

6- خاطب الله سبحانه رسوله بوصف النبوة في حال قيامه بالتبليغ فقال : (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) ، ولو كان أمر التبليغ متعلقاً بالرسالة كان ينبغي أن يخاطبه بقوله : (يا أيها الرسول) ، ولكن كان الخطاب (يا أيها النبي )، فدل على اتحاد مهام الرسالة والنبوة بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب الطاعة والاتباع فيما أمرنا به سواء بوصفه رسولاً أو نبياً.

6- لم يفرق الله تعالى في العصمة بين الرسل والأنبياء فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [الحج: 52]

ولو كانت العصمة خاصة بالرسل، لم يكن هناك حاجة للتصريح بالنبي بقوله تعالى (ولا نَبِيٍّ).

7- أكد الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه التأكيد على وجوب الإيمان به كنبي وكذلك كرسول : فعن الْبَراءِ بن عازبٍ رضيَ اللَّه عنهما قال : كَانَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذا أَوَى إلى فِرَاشِهِ نَامَ عَلى شِقَّهِ الأَيمنِ ، ثُمَّ قال : « اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إليْكَ ، وَوجَّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ ، وفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ ، وَأَلجَأْتُ ظهْري إلَيْكَ ، رَغْبةً وَرهْبَةً إلَيْكَ ، لا مَلْجأ ولا مَنْجى مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكتَابكَ الذي أَنْزلتَ ، وَنَبيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ » قَالَ البراء : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ وَرَسُولِكَ ، قَالَ لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ .رواه البخاري

لذلك عندما أراد الصحابي البراء بن عازب تبديل كلمة "الرسول " بدل "النبي " : صحح له الرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على أهمية نبوته وأنها من صميم الرسالة التي أمره الله بتبليغها.

8- أين الدليل على هذا الادعاء ، وهذا التفريق، هل جاء عن نبينا: أطيعوني بوصفي رسولاً ولا تطيعوني بوصفي نبياً؟؟، ولكننا نجد على العكس من ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنته بوصفه نبياً فقال : (إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم ، فاحْذَروا ، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه ) رواه أحمد والحاكم.

9- وكذلك الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم صرحوا بوجوب اتباع ما قضى به الرسول بوصفه نبيا ، فقد روى النسائي عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: ( إنه قد أتى علينا زمانٌ ، ولسْنَا نَقْضِي ، ولسنا هنالك ، ثم إن اللهَ - عز وجل - قدَّرَ علينا أن بلَّغَنَا ما تَرَوْن ، فمَن عُرِضَ له منكم قضاءٌ بعدَ اليومِ ، فلْيَقْضِ بما في كتابِ اللهِ ، فإن جاء أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ فلْيَقْضِ بما قضى به نبيُّه ).

#إشكال يضعه أصحاب الشبهات:

يقولون : إن بعض آيات القرآن التي عاتب الله فيها رسوله كان الخطاب فيها بـ : ( يا أيها النبي ) مثل قوله تعالى : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) فاستنتجوا من ذلك أنه ليس معصوماً بصفة النبوة .

#الجواب :

هؤلاء ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويتغاضى عن البعض الآخر، فليست كل الآيات التي خاطب فيها رسوله بصفة النبوة فيها عتاب له، بل هناك آيات أخرى خاطبه فيها بصفة النبوة تتضمن الأعمال التي يقوم بها الرسول من البلاغ والبشارة والإنذار .

فلا نستطيع أن نأخذ من آية واحدة خاطب الله فيها رسوله بصفة النبوة قاعدة مطردة ، بل كل آية نفهمها من خلال السياق الذي جاءت فيه .

أما الأمور التي عاتب الله فيها نبيه إنما كانت من باب التخفيف على النبي صلى الله عليه وسلم فهي دائرة بين الرخصة والعزيمة ، والتخفيف والشدة ، والفضل والأفضل .

قال العلامة الحافظ السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن " :

[ العاشر : خطاب الكرامة : كقوله "يا أيها النبي" "يا أيها الرسول" ، قال بعضهم : ونجد الخطاب بالنبي في محل لا يليق به الرسول وكذا عكسه كقوله في الأمر بالتشريع العام "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" ، وفي مقام الخاص "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" ، قال : وقد يعبر بالنبي في مقام التشريع العام لكن مع قرينة إرادة العموم كقوله "يا أيها النبي إذا طلقتم" ، ولم يقل "طلقْتَ" ] .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين