تكلمت
في مقالة سابقة عن مشكلتنا مع الكهرباء في هذه الحرب الظالمة، وقبلها كذلك، ومشكلة
المياه أشد وأعظم وأقسى. وأكثر الناس يهون عليهم أن تنقطع الكهرباء شهرا ولا تنقطع
المياه أياما، فالحياة بغير مياه أو مع شحها قاسية جدا، والناس في غزة يعانون من
هذه المشكلة من زمن بعيد.
كنا
صغارا لا نعرف ما يسميه الناس اليوم (المياه الحلوة)، كانت خطوط المياه تأتينا من
البلديات، وكنا نتخذ هذه المياه للشرب وسائر الاستعمالات، ثم تطور الأمر عند بعض
الناس فاتخذوا (الفلاتر) لتصفيتها من الشوائب، ثم بعد ذلك عرفنا المياه المعدنية
التي تقوم على إصلاحها الشركات وتجعل في العبوات، أو المحطات وتدور فيها السيارات
على البيوت، وهو الذي عليه الناس اليوم.
ومياه
تلك الخطوط إلى ما قبل الحرب كانت تتوفر يوما بعد يوم، أو أقل من ذلك، ويضخها
الناس إلى الطوابق العليا عبر المواتير والمضخات التي تعمل على الكهرباء، فانقطاع
الكهرباء يعني انقطاع المياه أو المعاناة في الحصول عليها ونقلها.
واليهود
أخبث خلق الله، فهم يعلمون حاجة الناس، ويضيقون عليهم في كل ما تشتد حاجتهم إليه،
وهم يُحكمون السيطرة عمليا في القطاع على الكهرباء والمياه وسائر معايش الناس التي
لا تستقيم حياتهم إلا بها.
وفي كل حرب تتجدد المعاناة، وتنقطع الكهرباء
وتشح المياه في أول أيامها، وقد بات من مكرور القول أن هذه الحرب ليست كسابقاتها،
فقد دمر اليهود غالب الآبار والمحطات والبُنى التحتية التي يستقي منها الناس، بل
لاحقوا الناس في طوابير المياه فأمطروا عليهم الصواريخ وهم يقفون للحصول على شربة
ماء.
من
أعظم هموم الناس من يوم بدأت الحرب الحصول على المياه، يقفون طوابير من أجل الحصول
على أقل القليل منها، ويشترونها بأغلى الأثمان، وليت الذي يحصلون عليه منها يكفي
حاجاتهم الضرورية التي لا بد منها.
وتشتد
المعاناة وقت تشديد الحصار على حي من الأحياء، فلا يستطيع الناس حينها الخروج من
بيوتهم للحصول على ذاك الحد الأدنى الذي كانوا يحصلون عليه بعد عناء شديد، ويضطرون
حينها لشرب ما يستبقي حياتَهم ويحول بينهم وبين الموت.
جزى
الله خيرا كل من أعان الناس ويسر عليهم في الحصول على ما يحتاجونه من المياه، فهذا
والله باب من أبواب الخير والأجر العظيمة، ولئن نسيت فإني لا أنسى حين مررت قبل
أيام بباب نصراني يقف الناس عليه طابورا، وهو وولده قائمان في خدمتهم وتعبئة الماء
لهم، فجزاه الله وولدَه خيرا، وهداهما بحسن صنيعهما إلى الحق والإسلام.
من
أطعم لله أطعمه الله، ومن كسى لله كساه الله، ومن سقى لله سقاه الله، والجزاء من
جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول