حرب غزة يوميات ومشاهد.. ليس عيدا لكنه يشبه العيد

خرجت صباح يوم العيد لزيارة من بقي في الشمال من قرابتنا وجيراننا وصحبة الوالد رحمه الله ورضي عنه، بدأت بحارتنا القديمة وسط حي الدرج، ثم عرجت على حارتنا التي انتقلنا إليه على أطراف الدرج وبداية حي التفاح، ثم ختمت بحارة مسجدي (القعقاع) على أطراف التفاح وبداية حي الشجاعية (وهذه الأحياء الثلاثة مع حي الزيتون هي أحياء غزة القديمة، التي تحتضن مساجدها وآثارها العتيقة التي دمرها يهود)، ثم سلكت الطريق المؤدية إلى العمري وقصر الباشا، كل ذلك مشيا على الأقدام؛ لعدم وجود المراكب، ولو وجدت فإنها لا تقوى على السير في هذه الطرقات، ثم إن المشي وافق حاجات في نفسي.

هذي مرابع الطفولة والصبا والشباب، فيها قطع من قلبي، وبقايا من روحي.

    بلاد بها نيطت علي تمائمي

                   وأول أرض مس جلدي ترابها

كنت أسير وأتصفح وجوه الناس في أول أيام العيد، فما رأيت فرحا أشبه بالحزن، ولا عيدا أشبه بالمأتم من هذا الذي نحن فيه.

الصغار يلهون فوق الركام، والكبار ينتزعون الفرحة من براثن الأحزان والآلام، والباعة على قوارع ما بقي من الطرقات يبيعون ما بقي من الحاجات لمن بقي من الناس.. ليس عيدا لكنه يشبه العيد.

كنت أقول في نفسي: بأي طينة عجن هؤلاء الناس؟ ما هذا الذي يحملهم على الصبر والثبات؟ أليس الذي نزل بهم لو نزل بثهلان لتدكدك، ولو أصاب ثبيرا لعاد نسيا منسيا؟

الناس هنا ألفت الأحزان، وتعودت الشدائد، لسان حالهم:

      ومن يك عني سائلا لشماتة

                     لما نابني أو شامتا غير سائل

     فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة

                  صبورا على أحوال تلك الزلازل

      إذا سر لم يبطر وليس لنكبة

                     إذا نزلت بالخاشع المتضائل

وما بي أن أبالغ في مدح قومي، فإن فيهم ما في الناس؛ مما يطوى ولا يروى، أو يروى إن شاء الله متى جاء وقته، على أن هذا المعنى الذي أشرت إليه لا ينكر ولا يدفع.

ولولا الله ثم هذا الصبر والثبات الذي أنزله على قلوب الناس لطويت أوراق قضيتنا، وبيعت بأبخس الأثمان في أسواق العمالة والخيانة، لكن الله حافظ دينه وعباده وبلاده المباركة التي تصنع وأهلها لملاحم آخر الزمان، ستنفي هذه الحرب الخبث، وتغربل الناس، ويبقى من يحمل اللواء، وينصر الدين، نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه، اللهم آمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين