حريق حلب غطى دخانه على مؤتمر جنيف..فماذا بعد؟

 

منذ بدء الثورة في15آذار 2011 لم أكن أعتقد أن واشنطن يمكن أن تقدم دعما للثورة السورية بسبب الكره الثقيل الذي تكنه لشعب سوريا. فهي كانت وراء انقلاب حزب البعث عام 1963. مرورا بانقلاب حافظ أسد في تشرين ثاني 1970. مع ذلك لم أكن لأعتقد أن يكشف الرئيس باراك أوباما عن ذلك الكم الكبير من الكره وهو يرى ما يفعله فلادمير بوتين من جرائم بحلب وأخواتها في شمال سورية في الأشهر الستة الماضية من30 أيلول دون أن يقول له كفى.

 

كما كانت أقمار أوباما الصناعية ترصد أولا بأول شحنات الأسلحة ينقلها طيران طهران تحت سمع وبصر واشنطن إلى حلب وما جاورها من بلدات فلا يحرك أوباما ساكنا، كأن السوريين الذين تقتلهم هذه الأسلحة نوع من الحشرات المؤذية ينبغي التخلص منها.

 

لم يتصرف أوباما بمنطق الرجل الشهم وهو يرى بوتين يرسل طائراته يدمر بها المستشفيات والمخابز وما تبقى من أبنية مأهولة في مدن سورية. ولم يقل يا هذا استح، فإن من تقتلهم هم بقايا آدميين أقعدهم المرض والشيخوخة والجروح عن الهرب إلى أماكن أقل خطورة.

 

 بوتين لم يكن أصلا في وجهه دم يمنعه من البطش بالنساء والأطفال والشيوخ. لكن أين هي الحرية التي يتبجح بها الأمريكيون فلا يقول أوباما لبوتين طفح الكيل!

 

مهزلة مفاوضات جنيف لم تكن تخفى على أحد حين تركت موسكو تتصرف لوحدها. حتى أن موسكو أرادت فرض عملاء لها ليكونوا ضمن وفد المعارضة في جنيف. وإن لافروف وزير خارجية موسكو أعلن من طرف واحد يوم 10أيار موعدا لبدء الجولة الثالثة للمفاوضات بين وفد المعارضة السورية ووفد النظام ماجعل جورج صبرة عضو الهيئة العليا أن يعلن أن الأمم المتحدة هي وحدها المنوط بها تحديد الموعد.

 

من الواضح أن السوريين وجدوا أنفسهم بلا معين في سورية وفي الشتات.وقد منعت واشنطن تركيا والسعودية وقطر -التي تقدم العون – أن تزود السوريين بالسلاح النوعي الذي يسقط طائرات النظام وطائرات موسكو التي تفتك بالبشر والحجر. وكان التآمر الذي اشتركت فيه واشنطن وموسكو من الوضوح بحيث أنهما اتفقتا مؤخرا على هدنة بمنطقة اللاذقية وغوطة دمشق، ولم تشمل تلك الهدنة حلب التي تحترق بأهلها.

 

السوري المجرب يدرك أن بوتين بغبائه الموروث، يظن أن القوة الغاشمة التي يدمر بها حلب سوف تجبر المقاتلين على رفع الراية البيضاء، ما يجعله يؤسس ولاية في حلب تأتمر بأمره، وبهذا يرد الصفعة التي جاءته من رجب طيب أردوغان. وسيفرض الأمر الواقع على الجميع بمن فيهم أوباما الذي يجلس في برجه العاجي يتفرج على أبنية حلب وهي تحترق، وقد يبني مطارا للقاذفات الاستراتيجية الروسية في حلب وسيكون أهم من مطار حميميم على البحر وقد ركبه  جنون العظمة إذ يصبح القيصر بحق الذي يفرض وجوده وإرادته.ولن يهتم بعدها كثيرا بمصير بشار أسد، فيتم استبداله بدمية أخرى تخدم القيصر وترضي واشنطن. أو هكذا يحلم بوتين!

 

 في هذا الجو الدراماتيكي ماذا على السوريين أن يفعلوا؟

 

أضحت سورية بأكملها على فوهة بركان وحلب تحترق. فعلى المفاوضين أن ينفضوا أيديهم من جنيف، ويعودوا إلى سورية، فلم يعد هناك زيادة لمستزيد. وأن يتركوا الفصائل العسكرية بمن فيها جبهة النصرة، تدير المعركة.

 

فالمفاوضون والائتلاف في الأصل لم يكن لهم دور في المعركة. وإذا كان من حاجة للتفاوض فتفاوض الفصائل المقاتلة،لأنها من تدفع الثمن، وتعرف متى يكون التفاوض مجديا.

 

يجب أن يدرك الجميع أنه ليس كل الطير يؤكل لحمه،ولم يقل الشعب السوري كلمته بعد، وأن المقاتلين ما يزالون يمسكون بالبندقية يقاتلون فوق أرضهم، وأن طائرات بوتين ستصبح حديدا يأكله الصدأ، وأن أوباما لن يناله إلا سواد الوجه.

 

أما الدول الشقيقة الثلاث التي أعطت وعدا ألا تسلم أسلحة أمريكية نوعية إلا بمعرفة واشنطن، فينبغي لها أن تسلم هذه الأسلحة النوعية للمقاتلين: "فقد بلغ السيل الزبى". وحال المقاتلين مع أشقائهم مثلما يقول القائل:

 

إذا كنت مأكولا فكن أنت آكلي     وإلا فأدركني ولما أمزق.

وإلا فإن موسكو سوف تنفرد بهذه الدول كل على حدة، إذا نالت من سورية ما تريد

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين