حزب الاتحاد الديمقراطي والتهجير القسري للقرى العربية بريف الحسكة

 

تدمير لعشرات القرى وتغيير للتركيبة السكانية

 

تواصل مليشيا وحدات الحماية الشعبية “YPG” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” عمليات التهجير القسري بحق أهالي عدد من القرى في ريف الحسكة، بحجة عدم امتلاكهم أوراقا تثبت إقامتهم في قراهم قبل 3 سنوات.

 

واقتصرت عمليات التهجير في تلك المناطق على الأسر العربية، والنازحين السوريين المقيمين فيها، بالإضافة إلى اللاجئين العراقيين القادمين من منطقة ربيعة العراقية القريبة من اليعربية، وعدد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين أصلا في تلك المناطق، الأمر الذي فسره كثيرون بأنها “عمليات مرتبطة بنزعات قومية حزبية” تمارسها مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي ضد المكون العربي تحديدا في منطقة الجزيرة السورية، بهدف تغيير تركيبتها السكانية.

 

“مسار برس” التقت ببعض الشخصيات العربية، والناشطين من أبناء المناطق المهجّرة، وبعض القيادات الكردية للكشف عن الأسباب الحقيقية لعمليات التهجير القسري التي تمارسها مليشيا وحدات الحماية الشعبية بحق القرى العربية، ومستقبل العلاقة الكردية العربية في ظل عمليات التهجير وحرق البيوت وتجريفها.

 

عشرات القرى المهجرة

 

يؤكد الباحث والناشط الحقوقي مهند الكاطع لـ”مسار برس” أن عدد القرى العربية التي هجرت مليشيا وحدات الحماية الشعبية أهلها في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بلغت 18 قرية، تبعتها نحو 21 قرية خلال شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر الجاري في منطقة جنوب الردّ وحدها، أما قرى ريف القامشلي الجنوبي باتجاه طريق تل حميس؛ فإن عدد القرى المهجرة زادت عن 25 قرية، “منها 3 قرى ارتكبت فيها مليشيا الحماية الشعبية مجزرة في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي راح ضحيتها 35 مدنيا بينهم أم وأطفالها الـ6″.

 

ويضيف الكاطع أن مليشيا الحماية الشعبية أجبرت أهالي القرى العربية على إخلاء منازلهم بشكل كامل أطفالا ونساء ورجالا ولم تسمح لهم بنقل أي شيء من أغراضهم وتم حرقها بشكل كامل.

 

ويقول أبو عيّاد الجبوري أحد النشطاء في ريف القامشلي لـ”مسار برس” إن مليشيا وحدات الحماية لجأت مؤخرا في عمليات التهجير وتجريف المنازل إلى مليشيا جيش الكرامة التابعة لحميدي دهام العاصي الحاكم المشترك لـ”مقاطعة الحزيرة”، وذلك لـ”إخفاء البعد العنصري في عمليات التهجير القسري تجاه الأسر العربية”.

 

وسبق للمليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي أن قامت بتهجير العرب من المناطق الكردية في 15 شباط/ فبراير 2012، حيث هاجمت عناصر من حزب الاتحاد عوائل عربية في عين العرب “كوباني” اتهموها بموالاة نظام الأسد وطردوها من المدينة وأحرقوا منازلها.

 

كما هجّر الحزب 35 عائلة عربية و10 شيشانية وعائلتين مسيحيتين واثنتين كرديتين في مناطق رأس العين بريف الحسكة في أيار/ مايو 2014.

 

ويؤكد الجبوري أن مليشيا جيش الكرامة تقوم بتجريف البيوت التي يرفض أبناؤها الانضمام إلى صفوفها أو صفوف مليشيا وحدات الحماية الشعبية، مضيفا أن تلك المليشيات قامت بمصادرة الأملاك الخاصة والأراضي الزراعية لعدد من الأسر في قرية القادسية وريف جزعة بتهمة انتماء أبنائها إلى كتائب الثوار والفصائل الإسلامية، مؤكدا أن هذه الاتهامات غير صحيحة وأن “سكان المنطقة لا يهتمون سوى بتأمين قوت يومهم إما بالزراعة أو تربية المواشي، ومؤخرا بتكرير النفط”.

 

تشتت للعوائل وتغيير للتركيبة السكانية

 

ويُرجع الناشط عبد الباسط المشهداني الغاية من عمليات التهجير التي يشرف تنفذها مليشيا الحماية الشعبية وجيش الكرامة إلى سعي الحزب إلى تغيير الخارطة السكانية للمنطقة، مشيرا إلى أنه لا أحد يعلم ما يحمله حزب الاتحاد الديمقراطي في جعبته خلال الأيام المقبلة من “مخططات وقرارات مجحفة” بحق جميع مكونات المنطقة وليس العرب وحدهم.

 

ويشير الباحث والناشط الحقوقي مهند الكاطع إلى أن المهجرين توزعوا في مناطق مختلفة من المحافظة، فمنهم من قصد ريف تل حميس الجنوبي ومنهم من توجه إلى القرى التي لم تُهجّر بعد في جنوب الردّ، وبعضهم اتجه نحو قرى أقاربهم الواقعة تحت سيطرة قوات مشتركة لمليشيا جيش الكرامة ومليشيا الحماية الشعبية، وكثير منها اتجه إلى القامشلي الواقعة تحت سيطرة قوات الأسد.

 

وأفاد ناشطون بأن قسما من المهجرين نصبوا عددا من الخيم في جنوب اليعربية على الحدود السورية ـ العراقية، وسط ظروف معيشية وإنسانية صعبة جراء الأمطار والسيول التي جرفت عددا من الخيم، دون أن تقدم لهم أية جهة مساعدات إغاثية.

 

كما منعت مليشيا “الحماية الشعبية” أهالي منطقة معبدة بريف القامشلي من تأجير المنازل للسوريين الذين نزحوا عن مدنهم وبلداتهم في الداخل السوري، ومنعت بيعهم أية عقارات، مهددة المخالفين بالحبس والغرامة المالية.

 

والتقت “مسار برس” بزكريا صابر أحد نازحي مدينة حلب الذي تمكن بمساعدة جهات إغاثية من تأمين سكن في منطقة معبدة بعد نزوحه من مدينته، إلا أنه تفاجأ مؤخرا بمليشيا وحدات الحماية التي طالبته بتقديم أوراق تثبت ملكيته للعقار الذي يقيم فيه.

 

ويقول زكريا، لـ”مسار برس”، ” اضررت إلى مغادرة البيت، وفشلت كل المحاولات مع وحدات الحماية لإقناعهم بإبقائي في المنزل، وأحاول الآن اللجوء إلى تركيا لعدم قدرتي على تأمين سكن لعائلتي بعد منع المليشيا الأهالي من تأجير المنازل للنازحين”.

 

وفيما يتعلق بالوثائق التي تطالب مليشيا وحدات الحماية الشعبية الأهالي بتقديمها، يشدد الباحث والناشط الحقوقي مهند الكاطع على أن “المليشيا لا يحق لها بموجب أي قانون أن تطلب من المواطنين تقديم إثبات لإقامتهم في المنطقة، فهي تستعين بعناصر أجنبية تركية وعراقية، وبالتالي هي مطالبة بتقديم إثباتات لوجودها في سورية”.

 

ويفسر عسكريون هذه الإجراءات من قبل مليشيا وحدات الحماية الشعبية بأنها خطوة استباقية لوقف تقدم محتمل لتنظيم الدولة في تلك المناطق، وخاصة في اليعربية على الشريط الحدودي مع العراق التي تحوي عددا من آبار النفط والغاز، بالإضافة إلى المعبر الحيوي في المدينة.

 

التهجير فتنة عربية كردية

 

بدوره؛ أدان القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش عمليات التهجير التي تقوم بها مليشيا وحدات الحماية الشعبية بحق الأسر العربية، واصفا الذرائع التي تقدمها المليشيا بـ”السخيفة”.

 

وتابع درويش في تصريح خاص لـ”مسار برس” قائلا “إن التهييج القومي والعرقي لا يخدم الوحدة الوطنية السورية والعيش المشترك والتآخي العربي- الكردي، كما أنه يعطي الطرف الآخر الذريعة لتهجير الكرد من مناطق أخرى”.

 

وأضاف درويش أن “هذه السياسة غير المسؤولة لا تخدم إلا العصابة الأسدية العدو المشترك للكرد والعرب وبقية مكونات الشعب السوري، لتنحرف البندقية الثورية عن اتجاهها الصحيح ويصبح الاقتتال عربيا – كرديا، بدلا من خوض معركة الشرف ضد عصابة الأسد المجرمة وحلفائها الدمويين”، داعيا من أسماهم “ساسة التهييج القومي والتهجير إلى اتباع سياسة حكيمة حفاظا على الحاضر والمستقبل، ودرءا لفتنة سيكونون أول من يتلظى بنارها”.

 

ويؤكد الناشط الحقوقي مهند الكاطع لـ”مسار برس” أن مليشيا الحماية الشعبية تقوم بعمليات هدم عشوائية في القرى العربية بريف القامشلي، “بما فيها المساجد”، معتبرا أن ذلك يأتي ضمن “سياسة مقصودة لا يمكن وضعها إلا في سياسة إثارة الفتنة بين مكونات المجتمع والإيحاء بأن هناك صراع قومي بين العرب والأكراد وهو غير موجود على الأرض”، واصفا عمليات التهجير بأنها “اعتداء ميليشيات مسلحة تتخذ من شعار حماية الشعب اسما لها وتستهدف جميع المكونات وعلى وجه الخصوص المكون العربي وبشماعة مكافحة الإرهاب سيرا على خطى النظام”.

 

أحزاب كردية صامتة

 

وفيما يتعلق بموقف بقية الأحزاب الكردية المعارضة لحزب الاتحاد الديمقراطي من عمليات التهجير بحق العوائل العربية؛ يؤكد الباحث والناشط الحقوقي مهند الكاطع أن تلك الأحزاب لم تبدِ أي ردود أفعال اتجاه الممارسات المتكررة والانتهاكات التي تمارسها مليشيا وحدات الحماية الشعبية بحق المدنيين العرب على وجه التحديد، و”التي ابتدأت منذ نيسان 2013 في تل تمر وريفها ثم في ريف اليعربية وتوجت بمجزرة تل براك وبعدها توالت المجازر والتهجير والحرق في كافة أرجاء محافظة الحسكة”.

 

ويتابع الكاطع؛ رغم مناشداتنا للأحزاب والشخصيات الكردية ذات الثقل السياسي التي شغلت مناصب قيادية على مستوى المجلس الوطني السوري، إلا أنها وللأسف لم تصدر بيانا واحدا يدين هذه الانتهاكات، في الوقت الذي أصدرت فيه بيانات تدين قيام تلك الميليشيات بارتكاب مجزرة بحق 5 من الإخوة الأكراد في عامودا، وأصدروا بيانات عديدة تدين اعتقال كوادر حزبية كردية، “ما يؤكد أنهم يكيلون بمكيالين ولا ينظرون للموضوع من زاوية إنسانية أبدا، بل من زاوية مصالح فقط ولا يختلفون بذلك عن مرتكبي الجريمة، بل هم أسوء منهم”، حسب وصفه

 

وفي الوقت ذاته؛ ثمّن الكاطع مواقف بعض الشخصيات الكردية المستقلة التي عبّرت عن رفضها لممارسات التهجير التي تمارسها مليشيا وحدات الحماية “كالمحامي حسين جلبي والأستاذ بسام نذير مصطفى والشاعر مروان خورشيد والأستاذ عزيز بيرو وغيرهم ممن لم تتجزأ لديهم الإنسانية وبقوا ثابتين على مواقفهم ولم يتلونوا كغيرهم”.

 

مستقبل العلاقة الكردية العربية

 

يعبر القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش عن خشيته من أن تؤدي هذه السياسة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي إلى فتح باب كبير من الفتنة لن يكون من السهل إغلاقه “وإن كان هذا الحزب لا يمثل إلا نفسه”، إلا أن المكون الكردي بأسره سيُكوى بنار هذه الفتنة التي فتحها طرف كردي.

 

ودعا درويش كافة العقلاء من الطرفين إلى التحرك من أجل تطويق هذه السياسة ووأدها في مهدها، مطالبا من ينتهجها بالتراجع عنها وتلافي آثارها.

 

ويؤكد الباحث مهند الكاطع أن مستقبل العلاقات العربية ـ الكردية على المستوى الشعبي لم ولن تتأثر أبدا، ولا يزال الوئام قائما في كل مدن المحافظة التي تشهد هدوءا نسبيا.

 

أما على المستوى السياسي فيعتقد الكاطع أن هذه العلاقة لن تكون كالسابق بعد أن “فقد العرب كما حال الأكراد أيضا” كل الثقة بالأحزاب الكردية التي عملت “بشكل انتهازي” في الثورة السورية وكشفت وجهها الآخر، حسب قوله، “على عكس الإخوة الأكراد الذين كانوا ولا يزالون بلا شك من أوائل الذين وقفوا مع الثورة رغم أن الأحزاب الإيديولجية سرقت صوتهم تماما كما فعلت معظم كتل المعارضة السورية مع الشعب السوري الذي لا يزال يقدم التضحيات”.

 

ويرى القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش أن التعايش الأخوي والعيش المشترك والوحدة الوطنية الراسخة المبنية على أرض صلبة بين الكرد والعرب وسائر المكونات الأخرى في منطقة الجزيرة ومحافظة الحسكة، وفي عموم سورية، سيكون عنوان المرحلة القادمة التي ستعقب سقوط نظام الأسد، وفي ظل دستور لا يفرق بين المواطنين على أي أساس كان، وفي ظل قوانين لا تحابي أحدا ولا تمارس سياسة التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي، وطن يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، حسب تعبيره.

 

وفي السياق ذاته؛ يعتبر الباحث والناشط الحقوقي مهند الكاطع أن “مصلحة الإخوة الأكراد هي في سورية حرة للجميع، والواقع الإقليمي والظرف الدولي لن يكون في صالح ما تطرحه الأحزاب الكردية المتاجرة بحقوق الإخوة الأكراد، فضلا عن أن الواقع السكاني والجغرافي بعيد عن الواقع في كردستان العراق والتي تحاول بعض الأحزاب الكردية تكرار تجربتها في سورية، ومع كل ذلك لم يفت الأوان بعد، وإننا شعب واحد ولا يستطيع أي مكون إلغاء أو إقصاء المكون الآخر”.

المصدر : مسار برس

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين